الكويت.. أزمة مرتقبة بين الحكومة ومجلس الامة
تقترب تعيينات القياديين في المؤسسات الرسمية من أن تتحول إلى أزمة جديدة تعصف بالعلاقة بين حكومة رئيس الوزراء الكويتي الشيخ أحمد النواف والنواب الذين يتساءلون عن معايير التوظيف وشفافية التعيينات. ويعود مصدر الأزمة إلى أن رئيس الوزراء يرفض الإجابة على تساؤلات النواب، لـ”عدم دستوريتها”، وهو ما يخلق انطباعا بأنه يريد أن يبني قاعدة تقضي بأنه “يحكم ولا يُسأل”.
وتجددت المخاوف من تعيينات لا تخضع للمعايير على إثر القرار الذي أصدره وزير المالية فهد الجارالله، بإحالة 27 موظفاً وقيادياً للتقاعد في الهيئة العامة للاستثمار ممن استوفوا شروط الإحالة، وتوجيهه الهيئة بفتح إعلانات توظيف لسد الشواغر. وكان النائبان مرزوق الغانم ومهلهل المضف حصلا على مستندات وبيانات وصفت بأنها “مؤثرة” في ملف تعيينات القياديين والوظائف الإشرافية والتكويت، وأعدا على أساسها استجوابا لرئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف.
ويرفض النواف الرد على الأسئلة البرلمانية بحجة “عدم دستوريتها”. وهو ما قد يدفع الغانم والمضف وغيرهما من النواب إلى “بحث الثغرات والمثالب” التي قد تكون سببا للطعن في دستورية الاستجواب وذلك بإحالته إلى اللجنة التشريعية في مجلس الأمة. ويقول المراقبون إنه في حال أقرت اللجنة التشريعية دستورية الاستجواب، فإن رئيس الحكومة سيكون ملزما بتقديم الإجابات عن تساؤلات النواب.
ولكن هناك مخاوف من أن تستغل الحكومة نفوذها بين أعضاء البرلمان لتعطيل النظر في الموضوع، مما يشكل محاولة التفاف جانبية تكرس القاعدة التي يسعى النواف إلى تكريسها في التعامل مع البرلمان، وهي أنه شخصيا بعيد عن المساءلة والتدقيق، ولكن يمكن مساءلة وزرائه في حدود شؤون وزاراتهم.
وفي محاولة للرد على الالتفاف، ومن أجل وضع الحكومة ككل ضمن دائرة المساءلة، فقد وجه مراقب مجلس الأمة النائب محمد الحويلة سؤالا مشتركا إلى 11 وزيرا يتعلق بالقول إن “مقتضيات المصلحة العامة تتطلب تقلد الشباب الكويتي المناصب والوظائف في وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، وحل مشكلة البطالة، وتكويت الوظائف”، وطالب بتزويده بعدد الشواغر الوظيفية لدى الجهات التابعة لهؤلاء الوزراء منذ عام 2013 وأسباب عدم شغلها.
وقال الغانم في مقدمة استجوابه لرئيس الوزراء إنه “نظراً إلى أهمية شغل الوظائف القيادية بحسبان أن مسؤولية شاغل الوظيفة القيادية في تنفيذ السياسات العامة للحكومة وبرنامج عملها ورقابة الالتزام داخل الوزارة وتنفيذ هذا البرنامج، وهو ما يستدعي بالضرورة لضمان تنفيذ تلك السياسات التدقيق في اختيار من يشغل تلك الوظائف وفق معايير وضوابط لاختيار الأجدر والأكفأ لأداء مهام الوظيفة وتحمل مسؤولياتها، والذي يكون تعيينه بمرسوم بناء على موافقة مجلس الوزراء”، فقد طالب الغانم بمعرفة عدد المناصب القيادية الشاغرة بوزارات وأجهزة الدولة والهيئات والمؤسسات العامة، وبيان الأسباب والمبررات لعدم شغلها، وذلك من تاريخ 1-8-2022 وحتى تاريخ الإجابة على السؤال.
ويطالب النواب أيضا بمعرفة المرشحين ونتائج الاختبارات التحريرية والمقابلات الشخصية والسيرة الذاتية لكل مرشح تم تعيينه سابقا بوظيفة قيادية مع بيان المنصب القيادي الذي تولاه. وكان النائب المضف وجه سؤالاً إلى رئيس الوزراء مطلع الشهر الجاري عن السياسة العامة التي سيتبعها في تطبيق ما جاء في مضامين الخطاب السامي. وهو ما يعد نوعا من سؤال يتعلق بالسياسات الحكومية، وليس بشأن من شؤون أيّ وزارة على انفراد.
وقال المضف إنه “ورد في الخطاب السامي الأول 22 ــ 6 ــ 2022 ‘الدور الحكومي غاب في المتابعة والمحاسبة، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية، مما ترتب عليه عرقلة التنمية’، فما هي رؤية رئيس مجلس الوزراء في هذا الشأن؟”. وتابع “ومما جاء في الخطاب السامي: ‘الإدارة الحكومية والممارسة البرلمانية أدتا إلى تذمّر وسخط المواطنين وعدم رضاهم عن عمل السلطتين’، فما الإجراء الذي ستتبعونه من أجل عدم تكرار ذلك؟”. وطلب المضف إحاطته بالدور المطلوب من رئيس الوزراء لاستكمال عملية تصحيح مسار المشهد السياسي تنفيذاً لرغبة الإرادة الشعبية والقيادة السياسية.
وسبق للنواف أن رفض الإجابة على سؤال حول السياسة العامة “لتسكين الوظائف القيادية” قدمه المضف في 20 سبتمبر الماضي، مما دفع المضف، في محاولة لاحقة، إلى توجيه سؤال يتعلق بالسياسات الحكومية. وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عيسى الكندري أرفق رفض النواف للإجابة على سؤال المضف حول التعيينات بمذكرة إدارة الفتوى والتشريع أفادت بأن “السؤال مخالف لأحكام الدستور وما استقرت عليه قرارات تفسير المحكمة الدستورية”.
ويقول مراقبون إن سعي النواف لتكريس واقع أنه “يحكم ولا يُسأل” يعد منعطفا خطيرا في التوازنات الدستورية القائمة بين الحكومة ومجلس الأمة، ويؤدي إلى تعطيل دور المجلس ليبقى مجرد مجلس يُعنى بشؤون “البلديات” وما شابهها من شؤون الوزارات، من دون أن يطال السياسات الحكومية ومدى التزامها ببرنامجها المعلن.