“المراعي” للألبان السعودية أمام قرار أمريكي يهدد بــ إفلاسها !
تواجه شركة المراعي السعودية العملاقة لمنتجات الألبان قرارا أمريكيا مصيريا بشأن مواصلة زراعة الأعلاف في الولايات المتحدة لإطعام عشرات الآلاف من رؤوس الأبقار، في ظل مشكلة شح المياه التي ستكون حاسمة في تحديد مدى التأقلم مع الوضع الجديد.
وفتح إعلان ولاية أريزونا هذا الأسبوع إنهاء عقود إيجار أراض تمتعت بها مزرعة مملوكة لشركة المراعي لسنوات مع إمكانية الوصول دون قيود تقريبا إلى ضخ المياه الجوفية في الولاية، باب الجدل حول الخيارات المتاحة أمام الشركة السعودية.
وقالت حاكمة الولاية كاتي هوبز الاثنين الماضي إنه تم “إلغاء عقد إيجار شركة فوندومونتي أريزونا في وادي باتلر غرب الولاية”، وإنه “لن تجدد ثلاثة عقود إيجار أخرى العام المقبل”.
وبحسب وكالة أستوشيتد برس، فقد خلص تحقيق أجراه مكتب هوبز إلى أن المزرعة انتهكت بعض شروط عقد الإيجار.
وأكدت الحاكمة أن “من غير المقبول أن تواصل المزرعة ضخ كميات غير خاضعة للرقابة من المياه الجوفية خارج ولايتنا، بينما تتخلف بشكل واضح عن عقد الإيجار”.
وفوندومونتي مملوكة بالكامل لشركة المراعي، التي تأسست في 1976، وهي أكبر منتج للألبان ومشتقاته في الشرق الأوسط، كما أنها من بين كبار مساهمي مجموعة صافولا للصناعات الغذائية، التي تحوز حصة نسبتها 36.5 في المئة.
وفي 2016، استحوذت المراعي على مساحة كبيرة من الأرض بالقرب من فيكسبيرغ في أريزونا، لتصبح قوة اقتصادية ذات نفوذ في منطقة لا تعاني قيودا كبيرة على مضخات الآبار مثل مناطق أخرى من الولاية في ذلك الوقت.
وتعتمد أريزونا على نهر كولورادو، الذي استنفد بسبب الإفراط في الاستخدام وتغير المناخ وبلغ أدنى مستوياته العام الماضي، مما أدى إلى موجة جفاف.
وتملك المراعي أراضي في جنوب غرب الولايات المتحدة لزراعة البرسيم الحجازي، الذي يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه لتوفير العلف لقطيعها الضخم من الأبقار، بينما البلد الخليجي يعاني من شح المياه.
وتعادل تلك الأراضي تقريبا ضعف مساحات الأراضي التي اشترتها الشركة في وادي بالو فيردي في ولاية كاليفورنيا. وتقوم المراعي بشحن المحصول إلى السعودية، التي تمنع زراعته منذ العام 2014 لأنه يستهلك الكثير من المياه.
ولدى المراعي مزارع للعلف في دول مثل الأرجنتين وأوكرانيا وهولندا وكندا، وفي غياب رد من مسؤولي الشركة، لا توجد معطيات واضحة عن مدى قدرتها على تغطية حاجة 170 ألف رأس من الأبقار من الأعلاف.
ويعتقد البعض أن البدائل قد لا تكون متاحة بالشكل المطلوب، كاختيار إثيوبيا القريبة من السعودية لزراعة الأعلاف، لأن المعضلة بالأساس سياسية، وبالتالي يجب تذليل مثل هذه العقبات قبل اتخاذ القرار.
وقالت فوندومونتي، من خلال متحدث باسمها، إنها “ستستأنف قرار الحاكمة بإنهاء عقد إيجارها الذي تبلغ مساحته 640 فدانا (259 هكتارا) في وادي باتلر”. وكانت قد زرعت نحو 1416 هكتارا في المنطقة الصحراوية الوعرة غرب فينيكس.
وجذبت الشركة الأميركية الاهتمام عندما اشترت في 2014 ما يقرب من 4047 هكتارا من الأراضي مقابل 47.5 مليون دولار على بعد 32 كيلومترا من وادي باتلر في فيكسبيرغ بولاية أريزونا.
وجدد تفاقم الجفاف في الولاية منذ ذلك الحين الاهتمام باستخدام الشركة للمياه والقضايا الأوسع المتعلقة بالمزارع المملوكة للأجانب وضخ المياه الجوفية.
وتذكر المخالفات التي كشف عنها مكتب هوبز تخزين الشركة للمواد الخطرة، من بين أمور أخرى. وأكد الاثنين الماضي إخطار فوندومونتي بالانتهاكات في 2016.
لكن تحقيقا في أغسطس الماضي وجد أن الشركة لم تحل المشكلة بعد سبع سنوات، ومنح ذلك وزارة الأراضي بولاية أريزونا أسبابا لإنهاء عقد الإيجار.
وقال مكتب حاكمة ولاية أريزونا إن وزارة الأراضي بالولاية قررت عدم تجديد ثلاثة عقود إيجار أخرى تابعة للشركة في وادي باتلر بسبب “الكميات الزائدة من المياه التي تُضخ من الأرض مجانا”.
وتشرف الإدارة على الأراضي التابعة لأريزونا، والتي تقرر تأجيرها لفوندومونتي. وتعتبر المياه الجوفية في وادي باتلر ذات أهمية خاصة بسبب قانون الولاية الذي يمكّن نظريا من ضخها في مكان آخر.
وهذا يجعل مياهها محل اهتمام مدن مثل فينيكس، التي تتعامل أيضا مع الضغوط المرتبطة بإمدادات المياه والنمو السكاني السريع.
وتفرض مدن مثل فينيكس وتوكسون في أريزونا قيودا على كمية المياه الجوفية التي يمكنها ضخها بموجب قانون الولاية الصادر في 1980، والذي يهدف إلى حماية طبقات المياه الجوفية في المنطقة.
لكن لا يحتاج مستخدمو المياه في المناطق الريفية سوى القليل من الجهد لضخ المياه من الطبقات الجوفية إلى جانب تسجيل الآبار لدى الدولة واستخدام المياه في الأنشطة التي تعتبر “استخداما مفيدا” كالزراعة.
وتزرع فوندومونتي مزارعها في وادي بالو فيردي بجنوب كاليفورنيا، وهي منطقة تحصل على مياهها من نهر كولورادو المتقلص. لكن هذه العمليات لاقت قدرا أقل من التدقيق.
وتنتج المراعي التي توظف 2750 شخصا في خمس وحدات لها في السعودية، أكثر من 1.2 مليار لتر من الحليب سنويا، حيث تدر كل بقرة قرابة 40 لترا يوميا بمتوسط سنوي يبلغ 14.6 ألف لتر، مما يوازي ضعف المعدل الأوروبي.
وبحسب المنصة الإلكترونية للشركة، فإن منتجاتها تصل إلى قرابة 220 ألف متجر للبيع بالتجزئة في ثماني دول، تشمل دول الخليج العربي والأردن ومصر.
ورغم القرار المفاجئ للولاية، لكن البعض يرى أن جميع مزارع فوندومونتي في ولاية أريزونا لن تتأثر بقرار الحاكمة، وهي ليست الشركة الأجنبية الوحيدة التي تزرع في الجنوب الغربي من الولايات المتحدة.
وليست ممتلكات المراعي في الولايات المتحدة التي تبلغ 4 آلاف هكتار منها 2500 هكتار مستأجرة باستثمارات طويلة الأجل، سوى مثال واحد على الأراضي، التي تعمل بها الشركة، والفروع التابعة لها خارج السعودية.
ففي الأرجنتين التي واجهت أيضا ظروف جفاف شديدة في السنوات الأخيرة لديها 12 ألف هكتار مملوكة بالكامل، إضافة إلى 18 ألف هكتار مستأجرة باستثمار لفترة طويلة المدى.
كما تملك المراعي، المدرجة في بورصة تداول المحلية والبالغة قيمتها نحو 17.1 مليار دولار، في هولندا ثلاثة آلاف هكتار، وفي أوكرانيا 35 ألف هكتار مستأجرة باستثمار طويل المدى بشراكة مع مستثمرين سعوديين.
وتواصل شركة الظاهرة أي.سي.إكس الإماراتية زراعة محاصيل العلف في أريزونا وكاليفورنيا، وهي مصدّر رئيسي للتبن في أميركا الشمالية.
وتسيطر الكيانات والأفراد الأجانب على ما يقرب من 3 في المئة من الأراضي الزراعية الأميركية، وفقا لوزارة الزراعة. وتعدّ كندا أكبر مالك خاصة للغابات.
وأشادت كريس مايز، المدعية العامة الديمقراطية لولاية أريزونا، بالحاكمة لمواجهتها للمزرعة المملوكة للأجانب.
وأعلنت مايز في أبريل الماضي أن الولاية ألغت التصاريح التي كانت ستسمح لشركة فوندومونتي بحفر آبار مياه جديدة بعد اكتشاف تناقضات في طلباتها.
ووصفت في وقت سابق هذا الأسبوع تصرفات الحاكمة بأنها “خطوة في الاتجاه الصحيح”، وقالت إنه “كان ينبغي على الولاية التصرف منذ مدة طويلة”.
وأضافت أن “القرار الذي اتخذته الإدارة السابقة بالسماح للشركات الأجنبية بضخ كميات غير محدودة من المياه الجوفية لتصدير مزروعاتها يعدّ أمرا فاضحا”.