“فضل الشهادة ومكانة الشهداء”.. موضوع خطبة الجمعة اليوم 6 أكتوبر 2023
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم 21 ربيع الأول 1445 هـ، الموافق 6 أكتوبر 2023، التي جاءت تحت عنوان “فضل الشهادة ومكانة الشهداء عند ربهم”.
وأكدت وزارة الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة علي عشر دقائق للخطبتين الأولى والثانية مراعاة للظروف الراهنة.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، القائلِ في كتابِه الكريمِ: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ سيدَنَا ونبيَّنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهُمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ، وعلى آلهِ وصحبِه، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وبعدُ:
فإنَّ الشهادةَ منزلةٌ عظيمةٌ ودرجةٌ عاليةٌ، وهي أسمَى غاياتِ النبلاءِ، وأعظمُ أمنياتِ الشرفاءِ، حين يبذلُ الشهيدُ روحَهُ الزكيةَ فداءً لدينِه وأهلِه ووطنِه، لذلك كان نبيُّنَا ﷺ يتمنَّى الشهادةَ مراتٍ ومراتٍ، حيثُ يقولُ (صلواتُ ربِّي وسلامُه علیهِ): (وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ في سبيلِ اللهِ فأُقتَلُ، ثمَّ أُحيَا، ثمَّ أُقتَلُ ثمَّ أُحيَا، ثمَّ أُقتَلُ)، ويقولُ (عليه الصلاةُ والسلامُ): (ما مِن أحَدٍ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا، وأنَّ له ما علَى الأرْضِ مِن شيءٍ، غَيْرُ الشَّهِيدِ، فإنَّه يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ، فيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِما يَرَى مِنَ الكَرامَةِ).
وقد خصَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) الشهداءَ بفضائلَ عظيمةٍ، ومكانةٍ ساميةٍ، فهُم في صحبةِ النبيينَ والصديقينَ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾، وعندما جاءتْ أمُّ حارثةَ بنِ سُراقةَ أتتِ النَّبيَّ ﷺ فقالتْ يا نبيَّ اللَّهِ ألا تحدِّثنِي عن حارثةَ بنِ سراقةَ وَكانَ استُشْهِدَ يومَ بدرٍ، قال النبيُّ ﷺ (يا أمَّ حارثةَ إنَّها جنانٌ وإنَّ ابنَك أصابَ الفردوسَ الأعلى).
وصفقةُ الشهداءِ عندَ اللهِ تعالَى رابحةٌ، وتجارتُهُم لا تبور، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (والَّذي نفسي بيدِه لا يُكْلَمُ أحدٌ في سبيلِ اللهِ ـ واللهُ أعلَمُ بمَن يُكْلَمُ في سبيلِه ـ إلَّا جاءَ يومَ القيامةِ واللَّونُ لونُ دمٍ والرِّيحُ ريحُ مِسكٍ).
والشهداءُ أحياءٌ عندَ ربِّهِم يرزقون، كما أنَّهُم أحياءٌ في ذاكرةِ الأممِ والأوطانِ، لا تُنسَى بطولاتُهُم، ولا تُنكَرُ تضحياتُهُم، يقولُ سبحانَهُ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ لجابرِ بنِ عبدِ اللهِ (رضي اللهُ عنهما) حينما استشهدَ والدُهُ (رضي اللهُ عنه): (أفلَا أبشِّرُكَ بما لقيَ اللَّهُ بِهِ أباكَ؟) قلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ قالَ: ما كلَّمَ اللَّهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراءِ حجابِه وأحيى أباكَ فَكَلَّمَهُ كِفاحًا)- أي: مِن غيرِ حجابٍ- فقالَ: يا عَبدي تَمنَّ عليَّ أُعْطِكَ قالَ: يا ربِّ تُحيينِي فأقتلَ فيكَ ثانيةً قالَ الرَّبُّ تباركَ وتعالَى: إنَّهُ قد سبقَ منِّي أنَّهُم إليها لَا يُرجَعونَ قالَ: وأُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، ويقولُ نبيُّنَا ﷺ: (لمَّا أُصيبَ إخوانُكَ بأحدٍ، جعلَ اللهُ أرواحَهُم في جوفِ طيرٍ خضرٍ ترِدُ أنهارَ الجنةِ، تأكلُ مِن ثمارِهَا، وتأوِي إلى قناديلَ مِن ذهبٍ، معلَّقَةٍ في ظِلِّ العرْشِ).
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الأنبياءِ والمرسلين، سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ وعلى آلِه وصحبهِ أجمعين.
لا شكَّ أنَّ الشهيدَ الحقَّ هو مَن صدقَ انتماؤُه إلى دينِه ووطنِه، فضحَّى مِن أجلِ ذلك بالغالِي والنفيس، كما أنّهُ شهمٌ حرٌّ يأبَى الدنيةَ، ويرفضُ المذلةَ والهوانَ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ)، ويقولُ ﷺ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، ومن قُتِلَ دُون أهْلِهِ، أو دُونَ دَمِهِ، أو دُون دِيْنِهِ فهو شَهيدٌ).
ونحنُ إذ نُحييِ في هذه الأيامِ المباركةِ ذكرَى نصرِ أكتوبر المجيدِ حيثُ سطّرَ جنودُنَا البواسلَ أسمَى معانِي البطولةِ والفداءِ والتضحيةِ، فنالُوا شرفَ الدنيا وكرامةَ الآخرةِ، فإنّمَا نجددُ في أنفسِنَا معانِي التضحيةِ والفداءِ والإخلاصِ لهذا الوطنِ العظيمِ.
اللهُمَّ احفظْ مصرَنَا وارفعْ رايتَهَا في العالمين.