القوة الناعمة سلاح لمواجهة الجهل وتغيير فكر المجتمعات

بقلم الكاتية / انجي الحسيني 

       عضو اتحاد الكتاب 

إذا أردت مجابهة مشاكل المجتمعات العربية، بعرض أو طرح القضايا الهامة أو وضع الحلول لمواجهتها، فيمكن توظيف الفن كأحد أسلحة وآليات القوة الناعمة المضمونة النجاح من أجل تحقيق هذا الغرض، ليس هذا فقط بل يمكن للفن كسر الجمود الفكري وتحدي العادات والتقاليد وتمرير أفكار جديدة لم تعتادها شعوب تلك المجتمعات.

كان هذا ما أدركته دولة السعودية الراغبة في تغيير الاتهام اللصيق بها والمرتبط بتصدير الفكر الوهابي للعالم الاسلامي وتغذية الفكر المتطرف وتمويله، لذا كان الانفتاح الفني الصادم والذي استعانت فيه السعودية بالفنان المصري في المقام الأول من أجل تحطيم الأصنام الفكرية داخل مجتمعها والتي تنادي بالمحافظة والالتزام، ولمواجهة ذلك بكل قوة تم إقامة الحفلات الغنائية والمهرجانات الفنية وتشييد المسارح ودور العرض السينمائي والانفاق على المنصات الفنية واغراقها بالانتاج الغزير.

ولطالما استخدم الفن السابع أو السينما في اعادة تشكيل الوعي وتوجيه الرسائل الدينية والسياسية والاجتماعية، ولتحسين الصور الذهنية المرتبطة ببعض الأحداث أو الشخصيات التاريخية أو على العكس تكوين رؤية جديدة ومختلفة عند الجمهور، حسب توجهات القائمين على المنتج الفني

لكن الأخطر من وجهة نظري هو النفاذ بالأفكار الخبيثة حتى تصبح مستساغة لدى المشاهد ويصير الغير مقبول، مقبولا وممكنا بعد حين، فقد شاهدنا أفلاما تجمل البلطجة وتعطي مبررات للعنف والاجرام مثل فيلمي إبراهيم الأبيض وعبده موتة ، وأخرى مغرضة سياسيا كفيلمي هي فوضى وحين ميسرة، وأفلام تناقش حرية الإلحاد والشذوذ الجنسي، مما قد يدفع المتلقي للتساؤل ( ولما لا؟) تقبلا منه بأن ما شاهده يندرج تحت مسمى الحرية الشخصية، فتضيع القيم والمبادئ والتعاليم الدينية بسبب قوة وتأثير العمل الدرامي، وعلى سبيل المثال فيلم “أصحاب ولا أعز”، فالفيلم لم يحوي أية مشاهد خارجة أو مقززة ترتبط بشخصية الشاذ دراميا (كما اعتدنا كمشاهدين) بل قدم الفيلم مجموعة من الأصدقاء الذين يعانون من خلل في تصرفاتهم، ولكن الشخص الوحيد السليم نفسيا هو (الشاذ)، وهذا امتداد للتوجه الهوليوودي الذي تحرص عليه في الأونة الأخيرة كاستغلال أفلام ديزني من أجل تمرير “الشذوذ الجنسي”، حتى تتغير المفاهيم النفسية والعقلية للطفل، وينمو على فكرة حرية تغيير نوعه وطبيعته وفطرته

وهناك أيضا مسلسل “الآنسة فرح” و هو مسلسل كوميدي مصري، مقتبس عن المسلسل الأمريكي جين العذراء، وتدور أحداثه حول فتاة تم تلقيحها بالخطأ فأصبحت حامل في طفل من رجل غريب غير خطيبها .. هذه قصة أخرى من قصص عديدة بدأت تتسلل عن طريق الفن الموجه ” العولمة” لنستورد بضاعة لا تليق بنا، مما ينسجم مع مصطلحات فاسدة مثل “السنجل مازر” أو المساكنة.. والحقيقة قد أتساءل عن سبب اقتباس تلك النوعية من الأعمال المغرضة وهل هذا التقليد يأتي من باب التقليد الأعمى أو فقر في المبدعين أو يقف خلفه أهداف مستترة؟

وعلى الصعيد الآخر، فإن الجانب الإيجابي للفن كقوة ناعمة اسُتخدم في تثقيف الشعوب وزيادة درجة الوعي كما استخدم كمادة ترفيهية لرسم البسمة وأيضا كمادة جادة لنقد الأوضاع الاجتماعية، وقدم روشتة حلول لتلك القضايا، كان نتيجتها تغيير القوانين أومناقشتها في مجلس الشعب، مثل أفلام جعلوني مجرما، كلمة شرف، وأريد حلا.. وذلك على سبيل المثال، كما يأتي الدور الايجابي بتسليط الضوء على المشاكل الهامة التي يعاني منها المواطن، ولدينا علامات فنية ناجحة ناقشت متاعب المواطن البسيط وأخرى توضح مخاطر المخدرات وتدني الذوق العام وفساد رجال الأعمال والتطرف والارهاب؛ مثل أفلام الكيف، الباطنية، والارهابي وغيرهم هذا غير الأعمال التي وثقت لحقب تاريخية مختلفة وجسدت السير الذاتية للكثير من الشخصيات البارزة على مر التاريخ.

ويعتبر المبدع المصري هو أنجح من وظف الفن في تقديم رؤى مثلت جدلا واسعا لجرأة العرض والأفكار المطروحة، وهو أيضا من سخر الفن في مواجهة طيور الظلام واعلان الحرب على الارهاب والتنظيمات التخريبية، وكرست الأدوات الفنية أدواتها من أجل هذا الغرض فظهرت أعمال فنية تعلي من قيمة الوطن مثل مسلسلات كلبش، والاختيار، هجمة مرتدة، الكتيبة 101 هذا غير الأفلام السينمائية التي تعتبر أسرع وجبة تأثيرية تحيي من الروح الوطنية للمواطنيين، مثل فيلم “الممر” والذي نجح نجاحا كبيرا، فهو يعتبر نموذجا واضحا للفن صاحب الرسالة ذات الأثر الايجابي على الجمهور بعيدا عن شعار “الجمهور عاوز كده” ولم يحمل مشهدا خارجا أو رقصة أو أغنية “مهرجان ” بل كان عملا احترم عقل المشاهد فأحترمه المشاهد في المقابل.

الفن هو مسئولية مبدعيه من أجل النهوض بالمجتمع وترسيخ القيم الأخلاقية وتعزيزالثقافة الوطنية ومكافحة الفساد ومعالجة القضايا بمختلف أنواعها، وعلى المبدع والمسئول عن صناعة الفن التحلي بالضوابط الأخلاقية، وعلى المتلقي أيضا أن يفكر جيدا فيما يقدم له من وجبات فنية، وليكن عينا رقابية على نفسه وأولاده، فكما أن هناك يرفعون راية التنوير الفني، هناك أيضا من يروجون لأجندات وأفكار مدسوسة خبيثة.. فلننتبه!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى