“بق الفراش” يعلن الحرب على فرنسا.. ومخاوف لدى المغاربة من أضرار محتملة
فيديوهات تظهر الحشرات تزحف على مقاعد القطارات والحافلات والمترو وفي دور السينما
نزعة عنصرية.. اعلامي يربط انتشار “البق” بتزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين
متابعة: أيمن الشحات
تشهد فرنسا حاليا حرب اجتياح جحافل “بق الفراش” للمنازل والإدارات والأماكن العمومية، وسببت صور ومقاطع فيديو نشرها عدد من المسافرين لهذه الحشرات وهي منتشرة في المترو والحافلات المحلية في باريس، وأيضا على متن القطارات عالية السرعة بين المدن، وبمطار شارل ديغول، حالة من الفزع والتقزز، ما دفع السلطات إلى إعلان ما يشبه حالة الطوارئ.
والبق هو حشرة صغيرة بنية اللون يمكنها التنقل عبر وسائل مختلفة من بينها الملابس وحقائب السفر لتغزو الفراش داخل المنازل وفي الأماكن العامة، وتتغذى هذه الحشرة على امتصاص دم الإنسان مما يتسبب للشخص في حكة شديدة واضطرابات في النوم.
مقاطع الفيديو وثقت أيضا نزوح سكان مناطق بأكملها هربا من غزو الحشرة الماصة للدماء، بعد إلقاء الأثاث المنزلي في الشوارع.
الحال الذي أضحت عليه مارسيليا، وظهور أحيائها، خاوية من السكان، وكأنها مدينة أشباح، يتكرر في غيرها من المدن، وحتى في العاصمة باريس، لم يعد لدى السكان حيلة في مواجهة البق المتوحش.
الأمر لم يعد يقتصر على الشقق السكنية، بل أصبحت كل المرافق مباحة أمام البق، من وسائل النقل العام إلى دور السينما والمقاهي والمكتبات والقاعات، والمستشفيات وحتى بعض الجامعات اضطرت لإغلاق أبوابها، والدراسة عن بعد، بينما تقف الحكومة عاجزة حتى الآن عن مواجهة هذه الآفة المستشرية.
تأثير غزو البق للمدن الفرنسية، وخصوصا باريس، لا يتوقف عند الأثر النفسي والجسدي للسكان، بل ينعكس أيضا على الاقتصاد الفرنسي، فقد أصبحت هذه الحشرة تمثل كابوسا لكل سائح، فما أن تحط رحالك في غرفتك حتى تكتشف انك لست الساكن الوحيد فيها، لدرجة أن نائب عمدة باريس، إيمانويل غريغوار، قال إنه “لا يوجد أحد في مأمن من بق الفراش”، كما أن الفنادق تصبح مضطرة فور اكتشافها، للتخلص ليس فقط من المراتب، ولكن من الأسرة بكاملها، وهو ما يشكل عبئا إضافيا، في ظل انخفاض أعداد السياح.
وفي ظل عدم قدرة فرنسا على التخلص تماما من هذه الحشرة، بحسب متخصصين، فإن ما يثير قلق الحكومة، هو مدى قدرة باريس على تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في صيف العام القادم بشكل آمن، إذ من المرجح تزايد أعداد البق بشكل كبير، وفق تقرير لـ “فوربس”.
والمعلومات التي يكشفها متخصصون عن بق الفراش زادت فزع الفرنسيين، فهذه الحشرة يمكن أن تعيش فترة طويلة جدًا بدون طعام، تصل إلى العام، ويُطلق عليها اسم بق الفراش لأنها تخرج غالبًا في الليل، إذ تنجذب إلى الدفء والاهتزازات والروائح والغازات، أما إذا قررت امتصاص دم النائم، فإنها تخرج من مخبئها من حوالي خمس إلى عشرين دقيقة، قبل العودة. والأكثر فزعا، هو عدم الشعور بها أثناء عملية امتصاص الدماء، لأن لعابها يحتوى على مادة تشبه المسكن، وغالبا ما يتم الشعور بالحكة بعد فترة من التعرض للدغها.
وأدى انتشاره إلى إثارة الجدل في فرنسا، بعد أن دعت بلدية باريس إلى التصدي لهذه الحشرات، قبل انطلاق دورة الألعاب الأولمبية التي تحتضنها المدينة العام المقبل.
وتعهدت الحكومة الفرنسية بالتحرك بشكل أكبر لمواجهة انتشار حشرة البق، وأفادت بأنها ستعقد الأسبوع المقبل اجتماعاً للجهات الموفرة لخدمات النقل بهدف اتخاذ إجراءات حماية أفضل لمستخدميها، قبل أقل من عام على استضافة باريس دورة الألعاب الأولمبية.
وتفاعل وزير النقل كليمان بون، مع الأزمة وكتب على شبكة التواصل الاجتماعي “X ” قائلا: “سأجمع الجهات المشغلة لوسائل النقل الأسبوع المقبل، للبحث في الإجراءات المتخذة والعمل بشكل أكبر لخدمة المسافرين وطمأنتهم وتوفير حماية أكبر لهم”.
وواصل قائلا: “لقد عاد بق الفراش الذي اختفى إلى حد كبير من الحياة اليومية بحلول الخمسينيات من القرن الماضي إلى الظهور مرة أخرى في العقود الأخيرة، ويرجع ذلك في الغالب إلى الكثافة السكانية العالية وزيادة النقل الجماعي”.
ويبدو أن هذه الزيادة في العاصمة والمدن الكبرى في فرنسا ليست أمرا غريبا، فقد اجتاح بق الفراش، الذي عاود الظهور منذ التسعينيات، أكثر من منزل واحد من كل عشرة منازل في فرنسا في السنوات الأخيرة. وقد كلف القضاء عليها الأسر الفرنسية 230 مليون يورو سنويًا بين عامي 2017 و2022، وفقًا لتقرير حديث صادر عن الوكالة الوطنية للأمن الصحي.
كما طلبت بلدية باريس من الحكومة وضع خطة عمل لمكافحة بق الفراش، معربة عن قلقها لعودة هذا النوع من الطفيليات بكثافة.
ويأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات الحكومية من المسؤولين والنقابات العمالية في باريس لاتخاذ إجراءات بعد ظهور عدة مقاطع فيديو لبق الفراش تم رصدها في وسائل النقل العام ومواقع أخرى مثل دور السينما على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي غمرة الفوضى التي خلفها انتشار هذا الكائن الطفيلي طرح عدد من الصحافيين والمسؤولين فرضيات غير واقعية حول الأسباب التي أدت إلى هذه الطفرة، مع أنه تاريخيا كانت العاصمة باريس وعدد من أنحائها بيئة خصبة لمثل هذه الحشرات ولبعض القوارض مثل الفئران.
المهاجرين غير النظاميين.. السبب
وربط الصحافي ومقدم البرامج الفرنسي باسكال برود هذه الظاهرة بتزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين. وقال برود في برنامج يقدمه على قناة “سي نيوز” المحلية، هل نعرف لماذا يوجد المزيد من البق اليوم؟ هل له علاقة بالنظافة؟ سوف أطرح جميع الأسئلة، هناك الكثير من الهجرة في الوقت الحالي، هل الأشخاص الذين لا يتمتعون بالظروف الصحية نفسها التي يتمتع بها الموجودون على الأراضي الفرنسية هم الذين يجلبونه (البق)؟ هل لأنهم في الشارع؟ هل لأنهم ربما ليست لديهم إمكانية الوصول إلى جميع الخدمات مثل الآخرين؟ هل هذا مرتبط بذلك؟.
وردّ ضيف البرنامج نيكولا رو دي بيزيو، المؤسس والمدير لمنصة متخصصة في إدارة الآفات، على سؤال برود قائلا “قطعا لا”، قبل أن يحذّر برود من جدل ناشئ على شبكات التواصل الاجتماعي.
وبالفعل سرت تصريحات برود العنصرية مثل النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقال الكثير من المغاربة والعرب إن تصريحات برود تعبر عن الذهنية الاستعلائية والعنصرية التي تسكن فرنسا ولاسيما نخبتها “المثقفة”، معتبرين أن فرنسا مازالت تعيش على أوهام أنها كانت في وقت مضى إمبراطورية استعمارية.
ويثير انتشار حشرة البق مخاوف كبيرة ليس فقط لدى الفرنسيين بل وأيضا لدى الأجانب، وتواجه السلطات الفرنسية تحديا كبيرا في احتواء انتشارها، في ظل قلق من أن يؤثر ذلك على فعاليات وتظاهرات كبرى تعتزم فرنسا تنظيمها على غرار دورة الألعاب الأولمبية التي ستحتضنها باريس العام المقبل.
الأزمة تنتقل إلى المغرب
ووسط موجة القلق الفرنسي، شهدت ميناء طنجة المغربي خلال الأيام الماضية حالة من الاستنفار بسبب باخرة ركاب آتية من ميناء مرسيليا الفرنسي قد تكون حاملة لتلك الحشرة التي تنتشر وتتكاثر بسرعة البرق.
وفعّل الميناء بروتوكولا صحيا صارما تضمن إجراء عملية تعقيم وتنظيف شاملة لجميع أجزاء وغرف ومستودعات الباخرة وحمولتها.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات تحمل تخوفا من وصول هذه الحشرة إلى المغرب، وذكّر البعض بإمكانية العودة لحجر صحي محتمل تفادياً لتكرار سيناريو فرنسا.
وقال المسؤول في المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، محسن عامر، إن جميع أجهزة الوزارة على أتم الاستعداد للتعامل مع هذا الأمر، لا سيما المتواجدة في المنافذ البحرية والبرية والجوية، وذلك لأجل رصد أي ظهور محتمل لهذه الحشرة.
وامتد النقاش حول خطر انتشار “بق الفراش” إلى قبة البرلمان المغربي، حيث وجه أحد النواب سؤالا شفهيا إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية للاحتياط من دخول الحشرة عبر السلع والوافدين من فرنسا.
ويعتبر بق الفراش آفة صحية عامة، حيث تسبب حكة شديدة وتهيجًا جلديًا للبعض، وتهاجم أنواعًا مختلفة من الحيوانات بالإضافة إلى الإنسان، وهناك شكوك حول قدرة الحشرة على نقل الأمراض الخطيرة مثل التهاب الكبد الوبائي والإيدز.
نصائح طبية لمواجهة الحشرة
أصدرت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية دليل توصيات ونصائح خاص بالسفر الدولي إلى المناطق التي تأكد تواجد حشرة “بق الفراش” بها.
وتضمن الدليل، توجيهات متعلقة بمرحلة ما قبل السفر، تدعو المسافرين إلى استعمال حقائب ذات ألوان فاتحة، مع تفضيل الحقائب البلاستيكية، والعمل على عزل الملابس باعتماد أكياس بلاستيكية، مع الحذر والتدقيق في اختيار مكان الإقامة.
وعرض الدليل توجيهات خاصة بمرحلة السفر والإقامة، حيث أكد على ضرورة معاينة مكان الإقامة وفحص أركان الغرفة والانتباه إلى إمكانية وجود علامات سوداء قد تدل على مخلفات حشرة “بق الفراش” أو بيض صغير يشبه حبات الأرز الشفافة.
ودعا الدليل إلى ترك الأمتعة مغلقة، والابتعاد بها عن منطقة النوم، مع جعلها داخل أكياس بلاستيكية محكمة الإغلاق، واعتماد نفس الطريقة مع الملابس المتسخة.
وعند العودة، دعا الدليل إلى ترك الحقائب خارج المنزل، وتفريغها على أرضية فاتحة اللون، لتسهيل عملية رصد أي حشرة، وغسل الملابس في درجة حرارة فوق 60 درجة مئوية ولمدة لا تقل عن 30 دقيقة، مع استعمال المكواة حالة رصد أي بيض أبيض، وكذلك غسل الحقائب في مكان خاص.
وفي حالة السفر بالسيارة، نوه الدليل إلى ضرورة تنظيف الجزء الداخلي بشكل جيد باعتماد مكنسة كهربائية، وترك السيارة في مرمى أشعة الشمس حتى تجف.
تجنب السيناريو الفرنسي
وعلى صعيد آخر قال الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية في المغرب، أن مواجهة البق الحشرة التي اكتسبت مقاومة للمبيدات الحديثة، ستزداد تعقيدا ما لم يتم التوصل إلى مبيدات ناجعة وفعالة.
ودعا وزارات الصحة في الدول العربية لتجنب السيناريو الفرنسي إلى ضرورة:
-حرص السلطات المختصة على مراقبة الفنادق وتعقيم وسائل النقل العمومي والأماكن العامة لمحاصرة هذه الحشرة ومنع انتشارها.
-محاولة القضاء عليها خلال الأربع أسابيع الأولى من ظهورها للتحكم في الوضع.
-تفادي شراء الأثاث المستعمل الذي يمكن أن يكون سببا في نقل الحشرة.
-تنظيم حملات توعوية للمواطنين للتعريف بطرق محاربة انتشار هذه الحشرة والتبليغ في حال رصدها.
تؤدي إلى الحساسية وتهيجات جلدية
وبحسب “سكاى نيوز عربية”، يؤكد عدد من الأطباء في أمراض الجلد، على أن هذه الحشرة ورغم عدم خطورتها على الصحة فمن المحتمل أن تؤدي إلى الحساسية وتهيجات جلدية مع مشاكل في النوم قد تتسبب في الإرهاق.
وتقول المغربية لبنى مشبوح، الأخصائية في الأمراض الجلدية، إن الإصابة بلدغات حشرة البق يمكن أن تتسبب في ظهور احمرار في الجلد وحكة، وفي حال مرافقة اللدغة بحساسية فإن ذلك يؤدي إلى تهيجات تتطلب تدخل الطبيب المختص.
وللوقاية من هذه الحشرة ومنع انتشارها يتطلب:
-الحرص على نظافة وخلو سرير النوم في الفنادق من هذه الحشرة.
-ضرورة تعقيم الملابس والأغراض الشخصية قبل العودة من السفر وخاصة في البؤر التي سجلت انتشارا لهذه الحشرة.
-تنظيف الملابس والأقمشة التي ظهر بها البق بوضعها في كيس بلاستيكي يحتوي على مبيدات حشرات وتعريضها للشمس لمدة 48 ساعة قبل غسلها في ماء ساخن (48 درجة) ثم تجفيفها.
-تنظيف المنزل أو الأماكن التي رصد بها البق بالاستعانة بالشركات التي تعمل في مجال حفظ الصحة.