تسريع الإنشاءات وسيلة تحوط المطورين المصريين ضد تقلبات السوق
لجأت كبريات شركات التطوير العقاري في مصر إلى التحوط من التقلبات الاقتصادية التي ضاعفت أسعار مدخلات صناعة العقارات في السوق المصرية، وذلك عبر تسريع عمليات الإنشاء.
قال مسؤولون في شركات تطوير لـ”الشرق”، إن زيادة الإنفاق على الأعمال الإنشائية جاءت في مقدمة أولوياتهم للتحوط من مخاطر أي زيادات محتملة في الأسعار، والتي قد تنعكس بدورها على التكلفة، بالتزامن مع خطط للاقتراض من المصارف لتوفير السيولة اللازمة للمشروعات الجاري تطويرها.
في أغسطس الماضي، وصلت الزيادة في أسعار الحديد المستخدم في عمليات البناء إلى 82.4% على أساس سنوي، فيما ارتفع سعر الإسمنت بمعدل 25.5%، وفق أرقام وزارة الإسكان والمرافق المصرية التي تضمنتها نشرة أسعار مواد البناء على موقعها الإلكتروني.
تخزين مواد البناء
قال أحمد شلبي الرئيس التنفيذي لشركة “تطوير مصر”، إن شركات التطوير العقاري باتت أكثر حرصاً في عملية البيع والتسعير بعد قرارات خفض قيمة الجنيه المصري.
كانت مصر قد خفضت قيمة الجنيه ثلاث مرات منذ مارس 2022، بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، لتنخفض قيمته منذ ذلك الوقت بأكثر من 95%. وحالياً، تراهن الأسواق على قرب تعويم جديد للعملة المصرية نظراً للضغوط المتزايدة التي تتعرض لها في ظل استمرار شح السيولة من العملات الأجنبية في البلاد.
في العادة، يجري تمرير ارتفاع تكلفة الإنشاءات المتمثلة في أسعار المواد الخام إلى المشتري النهائي. لكن رغم ذلك، تلجأ شركات عديدة إلى التحوط من ارتفاع تكاليف مواد البناء من خلال تخزينها بكميات كبيرة.
أشار شلبي إلى أن من بين الآليات التي تعتمدها شركته، تأمين ما تتراوح نسبته بين 10% و15% من مواد البناء اللازمة لكل مرحلة من مراحل الإنشاءات قبل المباشرة في عملية البناء، إضافة إلى تسريع أعمال الإنشاءات، والتوسع في إنشاء مخازن ومستودعات للمواد الخام تحسباً لأي تقلبات في السوق والأسعار.
يرى شلبي أن الاقتراض من المصارف لزيادة وتيرة الانشاءات -رغم أسعار الفائدة المرتفعة- أقل تكلفة ومخاطرة من تأثير تعويم سعر الصرف على تكاليف التنفيذ. وقال إن ذلك يتزامن مع دراسات دقيقة للتسعير تحافظ على حجم المبيعات والتدفقات النقدية المستهدفة.
إدارة للتسعير والتخطيط
في هذا السياق أيضاً، دشّنت شركة “مصر إيطاليا العقارية” إدارة متكاملة للتسعير والتخطيط منذ تحرير سعر صرف الجنيه المصري في مارس 2022، وما رافق ذلك من ارتفاعات متتالية لأسعار مواد البناء، بحسب محمد هاني العسال، الرئيس التنفيذي للشركة.
قال العسال إن هدف هذه الإدارة دراسة التغيرات التي تحدث في السوق لاحتساب زيادة أسعار العقارات وأي زيادات متوقعة جراء ارتفاع أسعار مواد البناء كالنحاس والحديد والإسمنت، وذلك بشكل دوري، مع إعداد دراسات أيضاً للتكاليف والتسعير للمشروعات.
لجأ مطورون مصريون في الآونة الأخيرة، إلى استخدام سعر صرف الدولار مقابل الجنيه كمقياس لضبط السعر مع التكلفة، لا سيما في العقود الخاصة بمجال المقاولات ومواد البناء، بحسب ما أوضحه تقرير نشرته “الشرق” في أبريل الماضي.
استراتيجية “مصر إيطاليا العقارية” في هذا الإطار للعام الجاري، تركز بحسب رئيسها التنفيذي، على تسريع عمليات الإنشاء والتسليم، خصوصاً في المشروعات التي تطورها في العاصمة الإدارية. وقد ضخت الشركة بالفعل 3 مليارات جنيه في أعمال الإنشاء لتسريع عملية التسليم. وقال العسال إن قطاع العقارات في مصر خالف التوقعات خلال 2023، محققاً طفرة في المبيعات والإنشاءات، حيث بدأ يسهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تتراوح بين 25% و30%. وتوقع أن ترتفع هذه النسبة أكثر خلال الأعوام المقبلة.
ضمان توافر السيولة
شركة “الأهلي صبور للتنمية” بدورها حددت 4 عوامل للتعامل مع المتغيرات التي تشهدها السوق، بحسب رئيسها التنفيذي أحمد صبور، تتمثل في تسريع عمليات الإنشاء؛ والتوسع في التعاقد على شراء مخزون من الخامات ومواد البناء؛ والاحتفاظ أو عدم بيع 30% من وحدات المشروع لتعويض أي فروق لاحقة في الأسعار؛ إلى جانب الحصول على قروض مصرفية لضمان توفير السيولة اللازمة لكل مشروع.
قال صبور إن شركته ضاعفت إنفاقها على الأعمال الإنشائية خلال العام الجاري ليصل إلى 5 مليارات جنيه مقابل 2.5 مليار جنيه في عام 2022، بهدف تسريع عمليات التسليم وتقليل مخاطر السوق في ما يتعلق بزيادة أسعار التكاليف.
تسريع الجدول الزمني للتنفيذ
من جهته، قال أيمن عامر مدير عام شركة “سوديك للتطوير العقاري” على هامش مشاركته في معرض “سيتي سكيب القاهرة” الذي أُقيم أواخر الشهر الماضي، إن شركته تتبع سياسة تحوطية لمدة زمنية تتخطى العام. وأضاف: “هذا يجعلنا لا نتأثر كثيراً بتقلبات سعر الصرف، ويمكّننا كذلك من تسعير الوحدات بالشكل الصحيح”.
أشار إلى أن “سوديك” عادة ما تستبق الجدول الزمني لتنفيذ الوحدات، وهو ما يأتي ضمن سياستها التحوطية، باعتباره أحد الحلول للتغلب على التغييرات التي تطرأ على الظروف الاقتصادية.
ارتفاع أسعار المنتجات العقارية
أما محمد عادل، مدير عام شركة “رؤية” التابعة لـ”مجموعة بايونيرز القابضة”، فقال إن شركته تتحوط ضد زيادات الأسعار عبر اتباع خطوات عدة، من ضمنها العمل على تسريع معدلات التنفيذ في المشروعات القائمة، والتعاقد مع شركات المقاولات لفترات زمنية كافية، مع المحافظة على مخزون كافٍ من مواد البناء يسمح لها بالاستمرار في التنفيذ. وأضاف أن زيادة أسعار المنتجات العقارية بكل أنواعها، من سكني وتجاري وفندقي، تراوحت بين 15% و20% خلال 2023.
رغم كل التحديات التي تواجه قطاع العقارات والإنشاءات في مصر، مع وصول معدل التضخم السنوي إلى 37.5% في أغسطس الماضي، لا يزال القطاع يشهد إقبالاً من المشترين، سواء من الداخل أو من الخارج. وقد أشارت شركة “نايت فرنك” مؤخراً إلى أن 94% من المستثمرين الأثرياء في دول الخليج الذين يمتلكون أكثر من مليون دولار كأصول استثمارية، يرغبون في شراء عقارات بمصر، إذ يُعتبر القطاع العقاري ركيزة أساسية للنمو المستقبلي في وقت يبدو فيه الاقتصاد المصري على وشك الدخول في فترة من الاستقرار النسبي، بحسب الشركة.