البرهان وحميدتي يلتقيان في السعودية لوقف الحرب السودانية
الخرطوم/الرياض – تستعد السعودية لاستقبال قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان من أجل استئناف الوساطة السعودية – الأميركية لوقف الحرب الدائرة في البلاد.
وقال مصدر سوداني مطلع إن تأخيرا حدث في وصول حميدتي إلى جدة، بعد أن طلب قائد قوات الدعم السريع تأكيد الدعوة الرسمية السعودية وتأكيد قدوم البرهان إلى طاولة المفاوضات، فيما تقول المصادر إن قائد الجيش ينتظر أن يصل إلى جدة خلال وقت قريب.
يأتي هذا في وقت بدأت فيه دوائر سودانية تفهم مغزى الظهور المفاجئ لرئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك، وتتأكد من أن مذكرته التي أرسلها إلى سكرتير عام الأمم المتحدة تنطوي على رسالة يحض مضمونها على السعي لوقف الحرب، وأن الطرفين المتحاربين مستعدان للتفاهم على وقف إطلاق النار ووضع خارطة طريق سياسية تشمل القوى المدنية.
وتشترط الرياض استعداد الطرفين للقبول بوقف دائم لإطلاق النار، وعدم تكرار الهدنات الفاشلة التي توصلت إليها الوساطة السعودية – الأميركية، ولم تصمد أمام مراوغات قائد الجيش ورضوخه لضغوط من قيادات في النظام السابق تريد استمرار الحرب على أمل أن تقطف ثمارها السياسية وحدها.
ويؤكد ذهاب الجنرال البرهان إلى السعودية قبوله بالدخول في مفاوضات جادة مع الجنرال حميدتي، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حيث رفضت الرياض استقبال قائد الجيش الأيام الماضية ضمن جولات قام بها في عدة دول ثم إلقاء خطاب من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك، واشترطت الرياض موافقته على العودة إلى منبر جدة أولا والقبول بما يتمخض عنه من نتائج بلا مراوغات.
وألقت الحالة الإنسانية المتردية في السودان ضغوطا كبيرة على كاهل المجتمع الدولي لتشجيع منبر جدة على التحرك ثانية، على أمل أن يساعد وقف الحرب في منع انتشار المجاعة وتناقص الغذاء وانتشار الكوليرا، وهو ما بدأ يحظى باهتمام بالغ من قبل الجانب الأميركي.
وتريد السعودية تحقيق اختراق سياسي في هذه الأزمة، بما يعزز أدوارها الإقليمية والدولية في إطفاء بعض الحرائق المشتعلة، خاصة أنه سبق لها أن استضافت محادثات بشأن الأزمة الروسية – الأوكرانية.
ويؤكد ذهاب حميدتي والبرهان إلى السعودية قبولهما بالعودة إلى طاولة المفاوضات، والاستعداد للتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار كخطوة لاستئناف العملية السياسية من المربع الذي رسمه الاتفاق الإطاري، وأهم بنوده تسليم الجيشِ السلطةَ إلى حكومة مدنية.
ويقول مراقبون إن الرياض بالتنسيق مع واشنطن غير مستعدة لعودة منبر جدة دون توافقات مسبقة مع الطرفين المتصارعين، وهو ما تم التمهيد له بحزمة من العقوبات الأميركية على الطرفين، ومن خلال محادثات غير معلنة مع قيادات قريبة من الجانبين أسفرت عن موافقة البرهان على التفاوض، حيث لم يمانع حميدتي في ذلك وأبدى استعدادا للتوقيع على اتفاق سلام لوقف الحرب.
وأجبرت الخسائر التي تكبدها الجيش السوداني والصورة السلبية التي بدا عليها وسقوط الرهان عليه لكسب المعركة، الجنرال البرهان على الرضوخ للتفاوض عبر منبر جدة؛ لأن الوقت لم يعد في صالحه وسوف تجبره الخسائر المتوالية على تقديم تنازلات لحميدتي، أو المضي قدما في تنفيذ أجندة فلول النظام السابق التي تريد مواصلة الحرب.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الإشكال يظل كامنا في القيادات العسكرية المحسوبة على الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، والتي تمانع عودة البرهان إلى التفاوض، حيث تعتبر الحوار مع فريق حميدتي اعترافا بالهزيمة وفشل كل المخططات التي أُعِدّت للعودة إلى السلطة مرة أخرى، ولو على جثث مئات الآلاف من السودانيين.
والخميس فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة تتعلق بالسودان، أبرزها ما استهدف علي كرتي وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق عمر البشير، والذي أصبح زعيما للحركة الإسلامية، ويلعب دورا في تغذية الحرب حاليا، واستعاد بريقه عقب فراره من سجن كوبر بعد اندلاع الحرب.
وقال براين نيلسون، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، في بيان “الإجراء الذي اتخذ (العقوبات) يُلقي المسؤولية على عاتق أولئك الذين أضعفوا الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي وديمقراطي في السودان”.
وأكد المحلل السياسي السوداني المقيم في الولايات المتحدة محمد وردي أن “الخوف يكمن في الكيزان، أي العناصر المنتمية إلى جماعة الإخوان، فهؤلاء لن يقبلوا بأيّ نتيجة يتوصل إليها البرهان وتؤدي إلى استئناف العملية السياسية بشروطها السابقة التي خرجوا منها خاليي الوفاض”.
وأوضح أن “واشنطن لم تتنازل عن مطلب التحول الديمقراطي في السودان، وسوف تظل تفرض عقوبات على قيادات وكيانات ترى أنها معرقلة لهذا الطريق، وتجد أن منبر جدة وسيلة لوقف الحرب، وخشيت أن يؤدي تضارب المبادرات إلى توقفه نهائيا. لكن بذهاب حميدتي والبرهان إلى جدة حال الإعلان عن ذلك رسميا، ستكون فرصة التوقيع على اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار قد اقتربت كثيرا”.
ومن المتوقع أن تتحاشى الوساطة السعودية الوقوع في أخطاء سابقة بشأن ضمان تثبيت وقف إطلاق النار وعدم السماح لأيّ طرف باختراقه والعودة إلى مربّع الصفر مرة أخرى، ولن تترك الأمور للصدفة أو مزاج كل طرف وحساباته المعقدة.
وذكر القيادي في التيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين أن “أكبر ضمانة لنجاح المفاوضات هي وجود نقاط مراقبة حقيقية على الأرض تضمن تنفيذ ما يجري التوافق عليه من تفاهمات، وما تحدثت عنه الهدنات السابقة كان جيّدا وفي حاجة إلى مراقبته بالشكل الأمثل كي تتأكد دولتا الوساطة والمجتمع الدولي من وقف إطلاق النار”.
وكشف ” أنه “حالما تتجمع قوات الدعم السريع في نقاط محددة ومراقبة عدم التعامل معها من جانب الجيش تتوقف الحرب تلقائيا مع الانتشار الواسع لقوات الدعم في مناطق مدنية، على أن تعقب ذلك مباحثات سياسية شاقة وشفافة لتفاصيل ما بعد مرحلة انتهاء المعارك”.
ولفت إلى أن وجود مفاوضات بين البرهان وحميدتي لا يضمن نجاح المباحثات تماما، لأن الحرب خلقت اصطفافات على أسس جهوية وقبلية، وهناك معارك دائرة داخل المعركة الأم، وتحديدا بين بعض القبائل في إقليم دارفور، وهو ما من شأنه أن يخلق تأثيرات سلبية بعيدة المدى داخل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأن هذه الأطراف مع حالة الدمار التي أصابتها لن تقبل بسهولة العودة إلى مرحلة ما قبل الحرب.