انساق فنون الخط العربي ورهانات الهوية البصرية المعاصرة

بقلم: د. هالة الهذيلي
جامعة سوسة من تونس

يضمن الواقع الفني بالعالم العربي اليوم الانفتاح المطلق على كل التعابير والصناعاتالإبداعية المعاصرة، والتي تساهم في إنعاش الهويّة البصرية المحليّة واثبات الجماليات في فنون الخط، باعتبارهأحد اهم المرجعيات التعبيرية والفنية في الثقافة العربية والإسلامية. ويذهب الفنان الي نسج أساليب ومعالجات تشكيلية متنوعة للبحث في سجلات الاصالة والمعاصرة التي تهتمّ بالحرف العربي وباستخداماته ضمن المنظومة التعبيرية الراهنة والعاكسة لنماء وزخم فكري وابداعي متجدد.

وارتهانا للطفرة التكنولوجية التي انتشرت في كل المجالات الإبداعية وانساقها، فان طرح مبدا الخصوصية المشهدية والتوظيفية للخط والحرف العربي في الوعي الجمالي العربي الراهن، بات محورا نشيطا لأغلب الباحثين عن فرادة الأثر التشكيلي واشكالاته المتحولة. فالي أي مدى امتدت انساق الحرف في تشكيلات الفنان العربي المعاصر وماهي التجليات الرمزية لتوظيفاته؟ والي أي مدى تنوعت التجارب واستلهمت من التراث دون الوقوع في السطحية والتكرار في تجربة كل من نجا المهداوي ومنير فاطمي؟ ثم كيف تجذرت روابط التعبير والتشكيل العربي برهانات الهوية البصرية الحاضنة للتوجهات الخطية وتذويبها في مدارات الإبداعية الفنية المعاصرة في تجربة كل من لولوة الحمود وصباح اربيلي؟

نهل الفنان العربي من التراث وقواعد الخط وتجلياته المتعددة، وركّز على دراسة قواعد الرسم للحرف وادماجه في التراكيب اللونية للوحات الفنية والتشكيلية. كما أسهمت التجارب الفنية بدورها في تكوّن مدارات واهتمامات ذات اصالة ومناهج نافذة الى جوهر الخط ومقارباته النظرية والتطبيقية، فالي أي مدى ارتكزت البنى التشكيلية للحرف ودلالاته في توظيفات فنون النحت والمجسّماتفي اعمال مطر بن لاحج؟ وكيف أسهمت اعماله في تثبيت الهوية العربية المحمولة بجماليات العصر ومتطلباته؟ والي أي مدى عززت هذه التجارب من خصوصية الحرف العربي باعتباره هوية بصرية ضمن الوعي الجمعي المعاصر؟

 

الحرف العربي وإعادة التفكير في توظيفاته الجمالية ضمن المساقات الفنية المعاصرة:

ان الرغبة الجامحة التي حملت الفنان العربي للمرور من الحداثة الى المعاصرة والالتحاق بطفرة المتغيرات التقنية والتكنولوجية والفنية المتشعبة، ساهم وبشدة في تغيير محاور البحث والتفكير الاشكالي في ماهية الفن، والاخذ بالاعتبارات المحليّة والغربية للسؤال عن موقع اللوحة والنتاجات البصرية ومدى ارتهانها لمواضيع تعبيرية على محوري الاصالة والمعاصرة. كما انعكست بدورها مواضيع التراث والهوية في التجارب العربية الفنية الحداثوية وما بعدها، وتعززت اشكال التجريد والتعبيرات الرمزية المستلهمة من الحرف والخط العربي بطرق متنوعة واستحضارهكتيمة تعبيرية وتصورا للحروفية وتعبيرا عنها.وباعتبارها استخدام نشيط للحرف العربي واستلهام لأبعاده في اللوحة و “قد بيّن اسعد عرابي ان المصطلح اشاعته الصحافة اليوميّة لحشد عدد وافر من الفنانين في خانة الذين يستخدمون الحرف والكتابة العربية في حين يصرح شربل داغر باحتمال ان يكون هو اول من طرح هذه التسمية وهو يصنّف التوجهات العامة للحروفيين في مجموعات وهي مجموعة اكتفت بالاعتماد على الحرف كمنطلق وكهدف مثل رافع الناصري ومديحة عمر، ومجموعة اعتمدت النص الادبي فعادت الى نصوص الشعراء والمتصوفة مثل ضياء العزاوي ورشيد القرشي.

ومجموعة اعتبرت الحرف مجرد عنصر ضمن عناصر أخرى في العمل الفني مثل نجيب بلخوجة وحسن ماضي.” “فالحروفية في مختلف مظاهرها مازالت تعبّر عن ذائقة شريحة كبيرة من المجتمعات العربية.”

الحروفية العربية اصطلاحا هي توصيف لأسلوب تعبير فني لمجموعة من الفنانين الذين تعاملوا مع الحرف وصيغه الخطية التجريدية. وهي بدورها تصنيف فني لمن “استلهموا الحرف العربي في سياق البحث عن الهوية في ظل الهيمنة الاستعمارية بعدما درسوا الفن في الغرب او على المناهج الغربية. وارادوا الوصول الى صيغ تشكيلية على درجة من الخصوصية المستمدة من الأصول الثقافية والفنية التي ينتمون اليها لتمييز أعمالهم ثم أصبح هذا الاصطلاح مطاطا الى درجة صار يطلق معها على كل عمل يحتوي على حروف عربية حتى لو كانت من أوراق الجرائد”.

لم يخلوا مسار البحث التعبيري في تاريخ الفنون العربية من تجاذبات متعددة حول جماليات ومبررات ومكونات الحرف في الاعمال التشكيلية، وتكاثرت الأسماء الفنية التي خاضت هذه التجربة ضمن ريادية مسبقة في المشرق كتجربة شاكر حسن ال سعيد ومديحة عمر وجميل حمودي وغيرهم ممن انتسبوا للحروفيةكحدث طلائعي، أسس بصورة او بأخرىلأسلوب فني يستلهم من عناصر التراث والخط ضمن مبدا التحصّن بالقناعات المعيارية. وامام المدّ التكنولوجي الفائض في واقع الفن الراهن بالعالم الغربي وتأثيراته المباشرة في العالم العربي ضمن مبدا العولمة، فان الإشكاليات المطروحة باتت تذهب في إطار تحيين قراءة الحرف في توظيفاته التشكيلية والبصرية في التجارب العربية بالأساس لتصبح للحروفية تعبيرات جديدة تساهم في إرساء أسلوب معاصر.

اختلفت طرائق التعبير الفنية والتشكيلية بالعالم العربي عامة وبتونس خاصة،واستلهم المبدع في بحوثه التجريبية من الحرف العربي واعتباره مرجعا يفوق الحرفة وحذق الصنعة في مطابقة قواعد الخط واتباع مقاييسه وابعاده الروحانية، ليطرح بدوره مرئيات متنوعة على محوري المنصوص والمبصر. نسوق في هذا الإطار تجربة الفنان نجا المهداوي كمنهل تشكيلي أنبتت في مناخات الحرف نواميس تشكيلية متنوعة ومختلفة. ومن خلال الممارسات الحثيثة التي انكبّ عليها الفنان لإصدار اعمالا تصويرية معالجة للحركة والحرف والايقاع وفق بنية لونية وجماليات هندسية، فانه رسم نوعية متفردة للحروفية التشكيلية بتونس، مع ابقائه على ممارساته وتصنيفها كواجهة بصرية ذاتية ترقى بالحرف الى مفردة تشكيلية تجريدية أساسها التكرار الايقاعي.

يضمن الفنان نجا المهداوي في اعماله بناء تصويري للكلمة والحرف بترتيبه للأشكال وتقسيم فضاء اللوحة عبر توليفاته البصرية وضمن حركة دلالية تزخر بالتفرد التجريدي والاسلوبي. اذ “يقوم الفنان في بنائه الفني بهدم هيكلة الكتابة العربية كوسيلة للتواصل ولتمثيل النظام المحدّد ويكسر العبارة المكتوبة بكونهاالعمود الفقري للتقليد وباستبدالها من خلال استكشاف صارم لإمكانيات رسم الخط العربي وتأثيراته الجمالية والموجهة أولا من خلال منظور ذاتي ويفسره الفنان نفسه على انه صراع من دون هدنة ضد المحاكاة في لحظة تاريخية معينة على الأقل فيما يتعلق بالتطور البشري والكوني.ان فنه في الكتابة دون الكتابة…هو ما يعطي الفن الحروفي العربي مسحة عالمية.

يسعى نجا المهداوي الى كسر القواعد الصارمة للكتابة والتقيد بمجالات التحرر والتجاوز ليضمن انخراطه وفق تجريب سمعي بصري.

ويدرج منسوجاته الخطية في أنواع مختلفة من التقنيات والتصميمات التي يستحضر فيها التقيّد بنمط معاصر وعلامات متشابكة وفق دقة في الإنجاز وقوة في التعبير. ركن الفنان للحرف العربي وأنبت منه اثرا متنوعا من الاعمال المعاصرة بتوظيفه لوسائط رقمية ومادية اختلفت بين الورق والقماش والمسرح والنحت والتأثيرات الفراغية، معلنا بذلك أنه لا يرفض الماضي قائلا:”إني احدثه واحاول انطلاقا منه ان أقيم علاقة مع الان ومع المستقبل.”

ان البحث عن الانا المتصالحة مع هويتها الثقافية والفنية ضمن اعلاء المخزون التراثي العربي مكانته التي تليق به، كان همّا ابداعيا لمجموعة من الفنانين الذين كسروا القواعد النمطية للحرف واستعمالاته الوظيفية.فيتحول بذلك البحث من الابعاد الرمزية للخط والترحّل به الى نظم وتصنيفات معاصرة حسب رهانات العولمة. ومن خلال ما اشتغل عليه الفنان المغربي منير فاطمي طيلة مسيرته التشكيلية المتنوعة من مسائل فنية رمزية وبصرية ذات ابعاد نقدية تتولد من اليومي المستهلك، وترتقي به الى إشكاليات مستحدثة عبر أساليب تصويرية وتقنية متنوعة بين الفيديو والصورة الفوتوغرافية وفن الموقع، فان ادراجه للحرف في أثره، يفتح المجال امام قراءات مختلفة تزاوج المفهوم والعلامة وامتدادات الخط بتقنيات متناسجة في الفضاء ومزدوجةالابعاد.

يصرح نجا المهداوي في علاقة الفنان بالموروث وبحالات التجاوز المؤسسة لتكوين فني معاصر في قوله: انى “اسعى الى هدم الفواصل بين الفنون. أي تأسيس شاعرية خاصة تجمع ما بين الفنون حيث يتداخل المرئي بالسمعي والعين بالأذن وحيث تهدم المسافات بين الماضي والحاضر.”

ومن خلال هذه النقلة النوعية البعد حداثية لتوظيفات التشكيلات الخطية في الفن العربي المعاصر، فان تجربة منير فاطمي تحسب لكونها تجاوز للمألوف بعين ناقدة لكل أنماط التقييد والصيغ التقليدية للبناء التشكيلي البصري للحرف ولطاقاته الرمزية المضخّمة. ومن خلال الجمع التقني بين مجالات سمعية وبصرية فان منير فاطمي اعتمد وجهة نظر وممارسة هيمنت فيها الابعاد الدلالية لحضور الحرف وتوظيفه كعلامة تشكيلية في اعماله المتعددة الاختصاصات.

تضمن تجربة الفنان نجا المهداوي قيمتها التعبيرية ودقتها الاستيطيقية في تونسوخارجها من خلال تطويراته الاسلوبية وابتكاراته التركيبية التي أحدثها لمعالجة الحرف والخط العربي بطرق فنية معاصرة،وتسهم بدورهاتجربة منير فاطمي في نشر ثقافة الحرف وتشكيلاته خارج حدود الوطن واكتساحه لفضاءات اخرى، ففتح المجال كغيره من المبدعين في الوطن العربي، نحو بناء هوية فنية معاصرة تنحو نحو العالمية وتؤسس لثقافة بصرية وتفاعلية تتولد من جماليات الحرف العربي واملاءاته الشاعرية والدلالية الراهنة.

الحرف العربي حاضنة تعبيرية وهوية بصرية على مدار التجريب والممارسة: لولوة الحمود وصباح اربيلي نموذجا:

استلهم الفنان العربي من الحرف طرقا متعددة للبناء التشكيلي، واتخذت التجارب النسوية نصيبا هاما من هذا الإرث التشكيلي لكي ترسم بدورها الفنانة السعودية لولوة الحمود تعبيرا للفنون التجريدية والهندسية. تتميز اعمال لولوة الحمود باتساع طرق استخدامها لجماليات الخط العربي، باحثة عن طابع الاختزال الهندسي، ليكون وجهة ريادية، تكشف من خلالها خصوبة الحروف وأنماط الخطوط ضمن وحدة خفية لا متناهية وتنوعات تقنية ورقمية متجددة.

تمازج الفنانة في مساحاتها التشكيلية بين الخط والدائرة والنقطة واللون واشكال الحروف وتجلياتها المطلقة، لتكوّن بالحرف مفردة تشكيلية في تراكيب ايقاعية متجددة.كما اعتمدت بدورهاعلى التصاميم التشكيلية المفتوحة والغير مكتملة لإثبات نوعية مشهديه خاصة، تتزاوج فيها الخلفية والفضاء المحيط مع العمل الفني ضمن منسوجات خطية وضوئية هندسية أساسها الحركة للمفردة التشكيلية والمغالطات البصرية.

حاورت لولوة الحمود أساليب وطرق منهجية متسلسلة، اثبتت من خلالها قدرتها على تطويع الحرف العربي واعتباره حاضنة تشكيلية متجددة البناءات التصويرية للفكرة والكتل المليئة بالحركة والايقاع.تنحاز الاعمال الفنية الى قوة الهندسة التجريدية والتركيبة للخطوط والمساحات وثنائيتي الملء والفراغ، ونهلت من الحرف العربي والطابع الزخرفي الإسلامي طرقا عصرية في المعالجات التركيبية المعقدة وفق ثنائيتي الثابت والمتحرك.

2020عمل لولوة الحمود بعنوان كل في فلك
ترسم الفنانة السعودية وبدقة فائقة لغة بصرية ذات ابعاد روحانية مستمدة من الحرف نمطا جديرا بالاهتمام والمشاهدة وذلكبتغييرها اشكالالطرق التقنية والحوامل والنتاجات الاسلوبية للتعبيراتالخطية.

وعبر ثنائيتي الجزء والكل والثابت والمتحرك والمكتمل والغير مكتمل وعلى مساحات صرحيه ومضخمة، تناولت الفنانة اشكال التعبير الفني الإسلامي المستلهم من الخط العربي لكي تؤسس تصاميم مستحدثة في الفضاء وخروجها بالحرف من نمطية الحوامل التقليدية.

كانت رحلة التجريب والممارسة على غاية من التجديد والتنويع لتحويلها الى تركيبات ضوئية ومتوازنات رياضية مبتكرة وتكوينات فراغية عبر وحدات هندسية تختلف بين المربع والدائرة ومتعدد الاضلاع. لقد أسست الفنانة لولوة الحمود لهوية ذاتية في الفنون البصرية، لكي تعملإثرها على نشر ابداعاتها خارج الحدود المحلية وعرضها في عدة محافل عالمية للفنون المعاصرة.

تهتم التجارب الفنية الراهنة بالموروث الإسلامي والكتابة العربية، وتنهل اغلبها من المواضيع التي من شانها ان تؤكد على الطابع المحلّي والارث البصري الثقافي والارتقاء به الى مدارات العالمية من خلال تنشيط الابداعات والنتاجات وطرق نشرها وتفاعليتها مع المتلقي بصور متفاوتة ومتجددة. ونطرح في هذه القراءة تجربة الفنان العراقي صباح اربيلي وما تختزنه من ثراء في المعالجات اللونية والطرائق التقنية والاملاءات النظرية لاستعمالات الخط العربي وإخراج الحرف من نمطيته المتداولة لكي ينبت منسوجات خطية ذات رسائل رمزية وتعبيرية لمواقفه السياسية والاجتماعية والثقافية.تميزت الاعمال بالمراوغة البصرية والرمزية المدقعة لكي ينسج الفنان بين الأثر والمتلقي ثنائيات متفاوتة بين الادراك واللا إدراك للبنية المبسطة للحرف وقوة المعني الرمزي للكلمة ضمن تعبيرات تجريدية ومساحات لونية مختلفة.

ولم يكتفي صباح اربيلي بالحوامل الورقية او القماشية للرسم الثنائي الابعاد بل اخرج الحرف للبعد الثالث من خلال مراوحته للملء والفراغ وتعبير النظم التركيبية للحروف المجسمة وادماجها في الساحة العامة بأشكال وايقاعات متناغمة مع المحيط الخارجي. فالي أي مدي ساهم الفنان اليوم في بناء هوية ثقافية للمدينة العربية من خلال المعالجات الخطية وفنون النحت والتنصيب؟

 

التجارب النحتية واستعمالات الحرف في بناء الهوية البصرية للمدينة العربية في تجربة مطر بن لاحج:

“تأتي اهمية الفن في مقدمة ضرورات حياة الانسان المعاصر خاصة وان الفن يمثل لغة عالمية يمكن للإنسان التخاطب بها حين تنقطع امامه طرائق الاتصال ” وتتعدد التجارب الإبداعية التي استغلت الحرف العربي كتيمة تعبيرية في مساقاتها الفنية واختلفت باختلاف الإطار الزماني والمكاني للفنان، وتميزت تجربة مطر بن لاحج بدقة التفاصيل التي استلهمها من الخط العربي وتطويعها كمزارات تعبيرية مضخّمة في الامارات العربية المتّحدة.

لقد انطلق بن لاحج في معالجاته الخطية والتصويرية من حركات الخيل وخاصيات الايقاعات المتراكبة التي تؤسسلأثر مشهدي زاخر بالطابع المحلي ومشبع برمزيات متعددة. يمنح مطر بن لاحج لكل حوامله نوعا مختلفا من التقنيات التشكيلية المتراوحة بين الثنائي والثلاثي الابعاد، فاسهم بتعبيراته اللونية او الخطية في تأثيث تنظيمات في الفضاء وانشاءات فراغية في الفضاءات العامة والمفتوحة. ينوع الفنان الاماراتي طرق معالجاته التشكيلية والفنية المستنبتة من الحرف العربي واشكاله وتطويعاته التعبيرية،مؤكدا بدوره مبدا الانتماء واثبات للفردية ضمن جوهرية العملية الإبداعية. يصبح الفن اليوم “خارجا على كل الأطراف التقليدية وحتى التي ظهرت فيما بعد الحداثة فأصبح تثبيت المكان لمساحة منه ثم ترك الأمور كان شيئا لم يكن سمة للفن وخرج الفن من البيت والصالة والمتحف الى الشارع والاحياء الشعبية وممرات الميترو والى الجسور والجبال والوديان وأصبحت المدينة عملا فنيا جماعيا كما المسرحية وكما الفيلم وكما الحياة” .

منحوتة طاقة الكلام للفنان مطر بن لاحج
يتعامل الفنان العربي اليوم بطرائق متعددة لاستخداماته التعبيرية للخط العربيويسعى من موقعه الفنان مطربن لاحج لإخراج الحرف من نمطيته المعهودة فتتجلى حساسية التشكيل الفراغي من خلال دقة التفاصيل وتنويعات الحرف ضمن تراكيب خيالية وصرحيه، ذات ايقاعات منظمة وتصاميم تتزاوج مع الفضاءات الخارجية وتنشط الساحة العامة وتؤسس لهوية المدينة الإبداعية. إذا ان “من مظاهر التجليات الملموسة لمسالة الهوية في الفن التشكيلي العربي المعاصر إعادة توظيف الفضاء المكاني عن طريق اللغة البصرية…وهنا لا يعبر الفنان عن علاقة الفرد بالمحيط من خلال ما ينعكس على الانسان وانما من خلال ما ينعكس على الفضاء المحيط به. وتعتبر صورة المدن العربية مجالا جيدا للبحث في كيفية تعبير الفنان العربي عن هذا الجانب.” يعالج الفنان الاماراتي بن لاحج رسم الحرف العربي بتعددية مختلفة التقنيات والابعاد والمواد، فيعالج الحركة النابعة من نسيج الحروف واخراجها في مجسمات صرحيه ليضمن بمؤثراته البصرية هوية فنية خاصة بالمكان تدفع المتلقي ليتفاعل معها بصريا وفكريا.

ضمن الحراك النوعي للفنون المابعد حداثية والراهنة بالتحديد فان توظيف الحرف العربي والاسهام به في تشكيل ذخائر الذاكرة البصرية وتجديد التراث، قد ولّد عدة تجارب فنية في الوطن العربي وهي منوطة بالبحث في المرجعيات التعبيرية للخط ومعانيه ودلالاته وتحولاته من المنصوص الى المبصر. واسهمت السياسات الثقافية بعدة دول لإعلاء الفن العربي هوية متفردة من شانها ان تكون ملهمة لممارسات إبداعية غربية كذلك، ليتبين بالتالي البعد الرمزي والثراء النوعي للحرف العربي وسجلاته الجمالية لتأكيده على الهوية البصرية وتثبيت الوعي الجمعي للثقافة الإبداعية المعاصرة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى