صحيفة اماراتية: هناك حرب إعلامية مشتعلة بين السعودية والإمارات
وبدا جليا أن أزمتي اليمن والسودان سببتا شرخا كبيرا في العلاقة بين الرياض وأبو ظبي، إذ تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، وقوات الدعم السريع في السودان، في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى فرض دبلوماسيتها في الخرطوم، ودحض مساعي الانفصال جنوبي صنعاء.
وخلال الأيام الماضية، بدأت شخصيات سعودية وإماراتية بارزة بالتراشق الإعلامي، وتوجيه الاتهامات المتبادلة فيما يخص حرب اليمن تحديدا.
عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفة، قال؛ إن الإمارات تحاول أداء دور أكبر من حجمها في اليمن، مضيفا في تصريحات تلفزيونية؛ أن أبو ظبي انسحبت عسكريا من اليمن بطريقة غير محسوبة.
وحول طموح الإمارات بانفصال جنوب اليمن، وبسط نفوذها على جزر يمنية، قال آل زلفة: “يبدو أن الإمارات ذهبت بعيدا في مشاريعها أكثر من قدراتها، وأكثر من إمكانياتها”.
وأضاف: “لا نستطيع أن نقارن بين السعودية والإمارات، لا سيما أنها كانت تريد منافسة قطر في التدخل بقضايا دولية وإقليمية، وللأسف هذه الدول أقحمت نفسها بقضايا أكبر من حجمها مع احترامي وتقديري لحجم أي دولة بصرف النظر عن عدد سكانها”.
بدوره، هاجم الأكاديمي والمحلل السياسي السعودي خالد آل هميل، تحركات الإمارات في اليمن، لكن دون ذكرها بالاسم كما فعل آل زلفة.
وقال آل هميل في تغريدة عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا)؛ إن “الذي لا يمكن تجاهله أن هناك (دولة) تسعى إلى تحقيق مصالحها على حساب مصالح سيادة الدولة اليمنية، وسعت مع الأسف إلى عمل (خوازيق) باستنبات مليشيات على سواحل اليمن وفي عدن وفي غيرها، متخيلة أن هؤلاء سوف يكونون أدوات تحارب بهم وتدفع بهم ضد مصالح السعودية”.
في حين استخدم الخبير العسكري السعودي أحمد الفيفي، مصطلح “التولي يوم الزحف” في توصيفه للانسحاب الإماراتي من اليمن.
وقال الفيفي متحدثا عن سياسات الإمارات “نعوذ بالله من عمل تلك الدولة”.
فساد.. وضوء أخضر للهجوم”
الرد الإماراتي على الاتهامات التي ساقتها شخصيات سعودية، جاءت بسرد أسباب انتهاج أبو ظبي مسارا مختلفا في اليمن.
وبحسب شخصيات إماراتية، فإن السعودية هي من فشلت في تحقيق أهدافها باليمن عبر القضاء على الحوثي، كما تورطت في الفساد عبر قائد القوات المشتركة الأمير فهد بن تركي، إذ قال الصحفي الإماراتي حمد الأحبابي؛ إن ابن تركي كان يبيع الأسلحة لـ”عملاء إيران”، علما أن الرياض لم تذكر أسباب إقالته من منصبه، وتقديمه للمحاكمة.
وذكرت شخصيات إماراتية أن فساد وانقسام الحكومة الشرعية التي تدعمها الرياض، هو من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت أبو ظبي إلى اتخاذ نهج مختلف في اليمن، ودعم انفصال جنوب البلاد عن شمالها.
وقال الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله بشكل صريح؛ إن “وحدة اليمن لم تكن ضمن أولويات التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن”.
ودخل مستشار الرئيس الإماراتي أنور قرقاش على خط الأزمة، بتغريدة قال فيها؛ إن “مواقف الإمارات اتسمت دائما بالشجاعة والأصالة، والتقييم الاستراتيجي الذي يرى أن أمن واستقرار وازدهار المنطقة كل لا يتجزأ”.
وفي رسالة إلى السعودية دون تسميتها، قال قرقاش: “تبقى هذه رؤيتنا حتى وإن تغيرت الظروف والأدوات، وتبقى مواقفنا مع الأشقاء والأصدقاء راسخة و مستمرة. الإمارات لا تتغير وتسمو فوق منطق القيل والقال”.
وذكر الناشط الإماراتي جمعة المهيري، أن هناك “ضوءا أخضر” سعوديا لبدء هجمة إعلامية شرسة ضد الإمارات.
بدورها، نشرت صحيفة “العرب” اللندنية المحسوبة على الإمارات، تقريرا تحريضيا على آل زلفة، متسائلة في تقرير: “من يحرك ويوقف الانفلات الإعلامي السعودي ضد الإمارات؟”.
وأضافت الصحيفة، أن “ما يثير الاستغراب هو صمت الجهات الرسمية في السعودية على تصريحات آل زلفة، التي تعمّد فيها بأسلوب مستفز السعي للاستنقاص من دور الإمارات وقواتها وشهدائها وجرحاها في تحقيق الاستقرار باليمن، وتحرير عدن من الحوثيين”.
وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك، بالتلميح إلى وقوف الحكومة السعودية خلف هذه الحملة، وقالت: “ماذا ستفعل السلطات السعودية لضبط هذا الانفلات، وجعْل العلاقة مع الإمارات خطا أحمر على الجميع الالتزام بعدم تخطيه؟ لأن ترك الحبل على الغارب يعني استنتاجا آخر، وهو أن الأمر مقصود”.
“تحدي الدبلوماسية”
الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، أخذ السجال مع السعودية إلى ساحة القدرات الدبلوماسية لكلا البلدين، إذ استعرض “قوة” أبو ظبي في حل الأزمات، وهو ما فسره ناشطون بأنه تعريض بفشل وساطات السعودية في إنهاء حرب السودان.
وقال عبد الله “بعد مرور نحو 120 يوما، لم يتمكن أي طرف في السودان من حسم المعركة بالضربة القاضية، ولو استمر النزاع لـ150يوما آخر لن يحقق أي طرف نصرا عسكريا مقنعا؛ وحيث إن محاولات التهدئة تعثرت، فقد حان وقت أن تتحرك الدبلوماسية الإماراتية لإطفاء الحريق السوداني، فلديها مصداقية لدى جميع المكون السوداني”.
وأثارت تغريدة عبد الله سخرية واسعة، إذ قال ناشطون؛ إن الدولة التي تدعم طرفا في القتال، في إشارة إلى قوات الدعم السريع، لا يمكن أن تحظى بقبول ومصداقية لدى الأطراف السودانية كافة.
تقارير متزامنة
بحسب ما رصدت “عربي21″، فإن التركيز على قوة أبو ظبي الدبلوماسية بدأ منذ أسابيع، بمقالات وتقارير نشرتها صحف إماراتية.
صحيفة “الخليج” التي تصدر الشارقة، نشرت في افتتاحية لها قبل أيام بعنوان “قبل فوات الأوان”، تحليلا حول فشل جولات الحوار التي عقدت في مدينة جدة، قائلة إنها لم تتمكن من إيجاد أرضية لحوار واقعي يفضي إلى تفاهمات طويلة الأمد بين طرفي الصراع.
وفي تجاهل للسعودية، قالت الصحيفة؛ إن الحل “يأتي عبر طاولة حوار جامع يفضي إلى اتفاقات ملزمة لوقف إطلاق النار، وإطلاق عملية سياسية شاملة ترعاها الجامعة العربية والأطراف الضامنة، لوقف التدهور، واقتلاع الأزمة من جذورها، ووضع البلاد على سكة السلام والاستقرار والتنمية”.
بدوره، نشر موقع “العين الإخباري” الإماراتي، تقريرا قال فيه؛ إن دبلوماسية الإمارات هي الأنجح، والأكثر بعدا للنظر، مشيرة إلى أن إعادة علاقاتها مع النظام السوري، وتطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي، هي “مواقف شجاعة، وجريئة وصحيحة”.
وأشار الموقع إلى أنه حتى إعادة العلاقة مع إيران، كانت الإمارات من بادرت إليه قبل السعودية، مضيفا أن ما تقوم به أبو ظبي على الصعيد الخارجي، “إنجازات تتوالى لترسخ مكانة دولة الإمارات كلاعب أساسي وشريك مهم في إنجاح مبادرات السلام على المستوى الإقليمي والدولي”.
واللافت بحسب ما رصدت “عربي21″، أن التجاهل الإماراتي لدور السعودية في الوساطة بالسودان، وصل إلى المستوى الرسمي، إذ ألقت أميرة الحفيتي، نائبة المندوبة الدائمة للإمارات في الأمم المتحدة، كلمة أمام مجلس الأمن قبل أيام، دعت فيها إلى ضرورة إيجاد حل دبلوماسي للأزمة في السودان، دون أي ذكر لجلسات الحوار التي عقدت في جدّة.
فتور وشبه قطيعة
تؤكد التقارير الغربية، وآخرها ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، وجود خلافات حادة بين ابن سلمان، وابن زايد.
وأرجعت الصحيفة السبب الأبرز للأزمة إلى التنافس على من تكون له اليد العليا في المنطقة، لا سيما مع تراجع النفوذ الأمريكي، وشعور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه لم يعد بحاجة إلى “مرشده السابق” ابن زايد.
وأوردت الصحيفة أن من علامات الخلاف الظاهرة، غياب ابن زايد عن حضور آخر قمتين في السعودية، الأولى التي جمعت دولا عربية بالرئيس الصيني، والثانية القمة العربية التي شهدت عودة عضوية سوريا.
ونهاية تموز/ يوليو الماضي، هاتف محمد بن سلمان، نظيره محمد بن زايد لتعزيته بوفاة أخيه غير الشقيق سعيد بن زايد آل نهيان، وهو أول تواصل مباشر بينهما منذ شهور طويلة.
وكانت آخر زيارة لابن زايد إلى السعودية في تموز/ يوليو من العام الماضي، حينما حضر قمة جدة للأمن والتنمية، ليتغيب بعدها عن عدة اجتماعات عربية ودولية عقدت في المملكة.
واكتفى الطرفان خلال الشهور الماضية ببعث برقيات رسمية فقط دون اتصالات، وذلك فيما يتعلق ببعض الأحداث، مثل تنصيب ابن سلمان رئيسا لمجلس الوزراء، والتعيينات التي أجراها ابن زايد بوضع ابنه خالد وليا لعهد أبو ظبي، وشقيقه منصور نائبا للرئيس.