عصابات الشواطئ بالجزائر تنصب على المصطافين
تصطدم أحلام المصطافين في الجزائر، لقضاء أوقات مريحة خلال فترة العطلة السنوية، بمنغصات تتسبب فيها مجموعات مجهولة تفرض منطقها عند مداخل الشواطئ، وتلزم المصطافين تأجير المظلات الشمسية ولواحقها من طاولات وكراسي، مقابل مبالغ مالية باهظة، في وقت تنص تعليمات وزارة الداخلية على مجانيتها.
ومع افتتاح كل موسم اصطياف في الجزائر تثير قضية الاستغلال غير الشرعي للشواطئ جدلاً واسعاً، بسبب موجة غضب واستياء عديد من المواطنين لاستغلال أشخاص مساحات واسعة في مختلف الشواطئ، وإعادة كرائها للمصطافين، ضاربين بتعليمات السلطات بإلزامية مجانية الدخول عرض الحائط.
أحد مرتادي شاطئ “صابلات” في محافظة مستغانم (غرب الجزائر)، قال خلال تسجيل فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، إن مجهولين احتلوا الشاطئ من دون رخصة، وفرضوا قانونهم على المصطافين من دون وجه حق.
وذكر أن عصابات تفرض على الزوار تسعيرة تقدر بـ200 دينار جزائري (1.4 دولار) مقابل ركن السيارة في مواقف فوضوية قرب الشاطئ، كما تحتل المنطقة بوضع مظلات شمسية وطاولات وكراسي في الأماكن الأمامية المحاذية للشاطئ والقيام بكرائها للمصطافين بمبلغ خيالي يقدر بثلاثة آلاف دينار (أكثر من 21 دولاراً) لليوم الواحد، مما يمنع مرتادي الشواطئ من الاستمتاع بمياه البحر.
استياء متواصل
مواطن آخر عبر عن تذمره من السلوكيات نفسها المنتشرة في أحد شواطئ محافظة جيجل (شرق الجزائر)، عبر تسجيل فيديو نشره على “فيسبوك”، محاولاً إظهار كيف تمكن “بلطجية” الشاطئ من احتلال مساحات واسعة ونصب مظلات شمسية وطاولات وكراسي لكرائها للمصطافين، مستغلين نقص الرقابة من طرف السلطات لفرض منطقهم على المواطنين وترويعهم باستعمال القوة.
ولم تسلم شواطئ الجزائر العاصمة من سيطرة غرباء لا يحملون شارة أية مؤسسة رسمية من المؤسسات المكلفة بتسيير الشواطئ، يعرضون معدات البحر ويتنافسون على تقسيم الشاطئ إلى مساحات متساوية بينهم، وهو ما لا يترك أمام المصطاف خياراً إلا الرضوخ لمنطقهم وتسعيرتهم.
ومن المفارقات أن إحدى السيدات بشاطئ القادوس (شرق العاصمة) عبرت عن استيائها من دفع 1500 دينار (10.5 دولار)، مقابل أربعة كراسي وطاولة وشمسية، لتكتشف بعد فوات الأوان أن هناك تجهيزات مجانية على بعد أمتار فقط منها تابعة لمؤسسة ديوان تسيير حظائر الرياضات والتسلية لولاية الجزائر.
وقالت السيدة الجزائرية إنها كانت تجهل تعليمات مجانية التجهيزات في الشواطئ بسبب “غياب” لافتة تنبه المواطنين إلى ذلك.
إجراءات رسمية
ومع بداية موسم الاصطياف الحالي، حذرت وزارة الداخلية الجزائرية “كل من يحاول استغلال الشواطئ”، داعية الولاة إلى ضرورة “فرض احترام مبدأ مجانية الدخول إلى الشواطئ والتصدي لكل مظاهر الاستغلال العشوائي لها مع اتخاذ الإجراءات الردعية اللازمة في حق المخالفين.”
وقال وزير الداخلية الجزائري إبراهيم مراد، في ندوة نظمتها إذاعة البلاد، إن “الدولة ستحفظ مجانية الشواطئ لفائدة المصطافين، وسوف تردع بالقوة والقانون كل من يتجاوز ذلك”، مبيناً أن السلطات فتحت المجال أمام من يرغب في العمل على الشواطئ لكن شريطة الحصول على تصريح “استغلال موقت” من قبل السلطات المحلية.
وتجري اللجان الأمنية عبر الولايات الساحلية عمليات دهم للشواطئ، لمواجهة المجموعات التي تحتكر الشواطئ وتفرض مبالغ مالية على المصطافين مقابل ركن سياراتهم أو إجبارهم على استئجار الكراسي والطاولات والمظلات على الشاطئ.
وسجلت المجموعات الإقليمية الساحلية للدرك الوطني، خلال الفترة الممتدة من 3 يوليو (تموز) الماضي إلى 5 أغسطس (آب) الجاري، 186 حالة استغلال غير شرعي للشواطئ مع توقيف 108 أشخاص تم إيداع 11 منهم الحبس.
وقال بيان للسلك الأمني الجزائري إنه تم خلال الفترة نفسها “تسجيل 96 حالة استغلال غير شرعي لمواقف السيارات و218 حالة استغلال غير شرعي لأماكن التخييم تم على أثرها حجز 1703 شمسيات و1697 طاولة و4028 كرسياً و569 خيمة”.
كان آخر تعديل لقانون العقوبات الجزائري، أكد تجريم ظاهرة استغلال الطرقات كمواقف للسيارات، بمقابل ومن دون ترخيص التي تؤرق المواطنين وتؤثر في النظام العام، محدداً عقوبة “الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من 25 ألف دينار (183 دولاراً) إلى 200 ألف دينار (1468 دولاراً) أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يقوم بمقابل ومن دون رخصة من الجهة الإدارية المتخصصة، باستغلال طريق أو جزء منه أو مساحة عمومية أو خاصة كموقف للمركبات، كما تأمر الجهة القضائية بمصادرة المبالغ المالية الناتجة من هذه الجنحة”.
وتتسبب هذه الأنشطة غير الشرعية في تراجع ثقة الزوار والسياح في الأمان والاستقرار على الشواطئ الجزائرية، مما يؤثر سلباً في قطاع السياحة ويقلل من الإيرادات المحلية، إضافة إلى التأثيرات الاقتصادية.
وتحتاج الحكومة الجزائرية لمواجهة هذا التحدي إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمكافحة عصابات الشواطئ وتعزيز الأمن الساحلي، عبر تعزيز التعاون بين الجهات الأمنية وتبادل المعلومات لمحاصرة وملاحقة هذه العصابات، موازاة مع تعزيز التوعية المجتمعية حول خطورة هذه الظاهرة ودور الجميع في مكافحتها.
معاناة يومية
في هذا السياق يقول الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماع بجامعة تامنغست الجزائرية، نعيم بوعموشة، إن ظاهرة احتلال الشواطئ بطريقة غير قانونية أصبحت تسبب معاناة يومية للمصطافين والزائرين للولايات الساحلية في كل مرة يقبلون على الشواطئ للاستجمام والسباحة.
وأضاف بوعموشة أن الممارسات المخالفة لها دون شك انعكاسات سلبية على الجانب النفسي والاجتماعي للجزائريين، وهو ما يهدد مبررات الأمن الاجتماعي في ظل افتقاد المصطاف الشعور بالأمن والطمأنينة نظراً إلى انتشار السلوكيات والتصرفات الهوجاء غير المسؤولة.
لكنه أعاد التذكير بأن أهم العوامل التي أسهمت في لجوء عديد من الشباب لممارسة نشاط حراسة الحظائر واستغلال الشواطئ بطريقة غير شرعية تفشي البطالة في أوساطهم وسعيهم إلى كسب بعض المال، بخاصة أن عديداً من ممارسي هذا النشاط يعلمون جيداً أنه أحد طرق الكسب السريع من دون بذل جهد يذكر، ولو كان ذلك على حساب جيب المواطن المغلوب على أمره.
ونبه إلى أن بعض الشباب يلجأون لهذا النشاط كحتمية للحصول على المال نظراً إلى وجود قيود قانونية تمنعهم من العمل في إطار قانوني بإحدى المؤسسات العمومية، وهم الشباب المسبوقون قضائياً، بالتالي العمل كحارس حظيرة أو كراء الشمسيات والكراسي على شاطئ البحر هو العمل الأنسب بحسب رأيهم.
وأشار إلى عامل آخر أدى إلى استفحال ظاهرة احتلال الشواطئ والأرصفة وهو غياب ثقافة التبليغ والتجاوز عن مثل هذه المظاهر، وهو ما شجع حراس المواقف غير الشرعيين وأصحاب الشمسيات على التمادي أكثر، ليتحول كل شاطئ أو مكان يرتاده المواطنون بكثرة ملكاً لهؤلاء الأشخاص الذين نصبوا أنفسهم كمشرفين على استغلالها، بالتالي أصبح المواطن ضحية للابتزاز من قبل هؤلاء الأشخاص، أو ضحية لهم في حال رفض دفع مستحقات الركن أو كراء الشمسية، إذ ينهالون عليه بالسب والشتم والتهديد والوعيد وحتى الضرب والاعتداء بالأسلحة البيضاء أحياناً.
قوانين ردعية
يضيف تميم بوعموشة أن “استفحال مثل هذه الظواهر السلبية في الأماكن العمومية يحتم علينا التفكير وبشكل جاد في إعادة النظر في الإجراءات المتبعة لحماية المواطنين من مافيا المواقف والشواطئ، وتضافر كل الجهود وعلى كل المستويات للقضاء على هذه الظاهرة التي باتت تؤرق المواطنين”.
ويتم ذلك – بحسب المتحدث – بسن قوانين ردعية ومعاقبة كل من يستغل الأماكن العامة كالشواطئ والطرقات كمواقف بطريقة غير قانونية ومن دون ترخيص من البلدية، كما يجب على السلطات المحلية القضاء على ظاهرة الاستغلال غير القانوني للشواطئ ومصادرة كل الشمسيات والكراسي والطاولات التي يتم نصبها من دون وجه حق ومن دون أي ترخيص من الجهات الرسمية.
ويقول إن هذه الإجراءات تضمن مداخيل إضافية للبلدية تستغل في خدمة الصالح العام، كما تخلق فرص عمل للشباب البطال وجعلهم فاعلين في مجال التنمية المحلية.