مصر تترقب قرارات مصرفية جريئة لتعزيز حصيلة الدولار
وثائق متداولة تفيد بدراسة أكبر بنكين حكوميين طرح شهادات بعائد دولاري يبلغ 10%
تترقب السوق المصرية قرارات جريئة من قِبل البنوك المحلية خلال الفترة المقبلة، تتعلق بطرح شهادات استثمار دولارية بفائدة مرتفعة، بهدف تعزيز حصيلة العملة الصعبة لدى البلاد التي تعاني شحّاً في السيولة الأجنبية.
مطلع شهر يونيو الحالي، ظهرت بعض الوثائق حول دراسة أكبر بنكين حكوميين، “الأهلي” و”مصر”، طرح شهادات بعائد دولاري يبلغ 10%، أو بعائد بالعملة المحلية يصل إلى 17%. لكن الوثائق المسربة أشارت إلى أن الشهادات مخصصة للعاملين المصريين في الخارج، أو الأجانب المقيمين في مصر، بالإضافة لمزدوجي الجنسية.
الوثائق لم تتطرق إلى تحفيز المصريين داخل البلاد على ضخ العملة الصعبة التي يحتفظون بها كإحدى أدوات الاستثمار للاستفادة من الفروقات الموجودة بين السوقين الرسمية والموازية.
آلن سانديب، رئيس البحوث في “نعيم المالية”، لا يعتقد أن المصريين سيستثمرون بهذه الشهادات؛ فهم “لن يشتروا إلا إذا تمّت استعادة الثقة في سعر الصرف، وهذا سيحدث عندما تتوفر سيولة دولارية”.
مسؤول كبير في البنك الأهلي المصري،أكبر بنك في البلاد، أبلغ “بلومبرج” أن بعض الوثائق التي جرى تسريبها هي بالفعل مجرد دراسات ضمن عدد أكبر يقوم بها البنك لبحث سبل زيادة حصيلته من العملة الصعبة.
ويرى أحمد عبد النبي، مدير البحوث في “مباشر المالية”، أن “من مصلحة المستثمر أن يأخذ العائد بالدولار في حال شرائه شهادات دولارية، في ظل التوقعات بوجود خفض جديد للعملة المحلية. لكن، في المقابل، من مصلحة الحكومة جذب أي دولارات ممكن الحصول عليها دون الإفراط في أي دولار من جانبها للخارج حتى لو كان للمستثمر”.
هوت تحويلات المصريين في الخارج خلال النصف الأول من العام المالي الحالي، المنتهي في 31 ديسمبر، بنسبة 30% لتسجل 12 مليار دولار. وتُعدّ هذه التحويلات من أهم مصادر مصر الدولارية إلى جانب إيرادات السياحة وقناة السويس والصادرات.
إبراهيم كمال، رجل أعمال مصري مقيم في الصين، يَعتبر أن أولوياته لضخ الدولار في مصر ستكون عبر الاستثمار الصناعي ثم العقاري، بعيداً عن الاستثمار في الودائع حتى وإن كان العائد بالدولار.
بعد إقامة في الخارج لأكثر من عشر سنوات، وتجارب مختلفة في استثمار المدخرات، يرى كمال أن سعر العقار المصري والأراضي الصناعية عند مستويات سعرية منخفضة، إذا ما تم تقييمها بالدولار، لذا ففرص ارتفاع قيمتها كبيرة مستقبلاً، ما يضاعف العائد بمعدلات أعلى من المعدلات المقترحة من الجهاز المصرفي المصري، حتى لو بلغت 10% على الدولار.
رغم جمع مصر، المتعطشة للسيولة الدولارية، لنحو 900 مليون دولار من مبادرتها لتيسير استيراد سيارات المصريين المقيمين في الخارج، والتي انتهت منتصف مايو، إلا أنه في حالة تركز الشهادات الجديدة على المصريين في الخارج فقط، قد يأتي ذلك بأرقام دون المأمول من الحصيلة الدولارية.
حسام أحمد، مواطن مصري يعمل كمحاسب في المملكة العربية السعودية، يلفت إلى سبب آخر لرفض المصريين في الخارج لدراسات البنوك المحلية بطرح شهادات دولارية، وهو “وجود تضييق على حصول المصريين على الدولار في مصر نتيجة أزمة العملة الأجنبية.. انظر للمسافرين للخارج ومدى معاناتهم من أجل الحصول على الدولار اللازم لذلك مهما كان سبب رحلتهم. فلو استمرت التضييقات ونقص العملة سيزداد تخوفنا من التعرض لهذا التضييق للحصول على أموالنا التي سنضخها في الشهادات”.
معالجة الخلل
برأي محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في مجموعة “إي إف جي” القابضة، فإن الأفضل هو “معالجة خلل سعر الصرف القائم، لأن هذا هو أكبر عائق أمام زيادة المعروض من النقد الأجنبي في السوق الرسمية”. وبالتالي هو لا يرجح أن يكون للشهادات التي تُدرس من قِبل البنوك مردود كبير؛ “فهي حل مؤقت”.
جرى تداول العملة المصرية خلال آخر أسبوعين عند نحو 38-39 جنيهاً للدولار بالسوق الموازية، مقارنة مع 30.9 جنيه للدولار في السوق الرسمية.
أيمن ياسين، الخبير المصرفي، يرى أن دراسات طرح شهادة دولارية بعائد دولاري “أمر به مخاطر على البنوك المصدّرة لتلك الشهادات، في ظل تراجع التضخم العالمي واتجاه الفيدرالي لخفض الفائدة.. من أين ستدفع البنوك الفائدة المرتفعة؟ الناس ستكون خائفة لعدم وجود ضمانات لاسترداد أموالها بالدولار”.
من أجل توفير سيولة دولارية، عملت مصر خلال الفترة الماضية على بيع بعض من أصولها للمستثمرين، لكنها لم تجمع حتى الآن غير نحو 150 مليون دولار فقط من إجمالي ملياري دولار تطمح بالوصول إليها قبل نهاية يونيو الحالي، حيث تواجه البلاد رياحاً معاكسة ناتجة عن تدهور سعر صرف الجنيه، والغموض المحيق بالمراجعة الأولى لبرنامج صندوق النقد الدولي، وتصلُّب المستثمرين الخليجيين لناحية تسعير الصفقات.
تحتاج مصر إلى فتح روافد تمويل خارجية جديدة لتلبية الطلب المتراكم لديها على العملات الأجنبية من المستوردين والشركات الأخرى. ولم تتلقّ الدولة مليارات الدولارات من التمويل الموعود حتى الآن.. لكن سانديب يرى أن دول الخليج العربي “لا يمكنها ترك مصر تفشل، فهي مصدر استقرار رئيسي للمنطقة”.