خصوصية التطور السياسي بالوطن العربي بعيدا عن الاملاءات الخارجية

بقلم د ليلي الهمامي
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن
علينا أن نفكر خارج السياق … علينا أن نفكر خارج القوالب الجاهزة… علينا أن نفكر خارج المالوف والمتوارث… ان نفكر فقط انشغالا بالحقيقة، انشغالا بجوهر القضايا، بعيدا عن الهوامش والتوظيفات الانانية المربحة ظرفيا، لكن السامة على المدى البعيد، السامة بالنسبة للشعوب العربية، لمصيرها…
أقول هذا لان بالفعل عندما أعود الى التاريخ السياسي لمصر مثلا، نجد ان كان في امكان مصر ان تكون ملكية دستورية، ان تكون ديمقراطية،،، ان الحراك في البرلمان ؛ تشكيل الحكومات، زعامة سعد زغلول، وحزب الوفد، كانت، في حد ذاتها بواكير ديمقراطية برلمانية استثنائية… فيها الكثير من الفكر، فيها الكثير من التحالفات ، فيها الكثير من المؤامرات، لكنها مؤامرات مشروعة، في سياق التحالفات، وفي سياق التفاوض مع الانجليز، وفي سياق الصراع مع الاخوان.
الاخوان افسدوا، مع اغتيال النقراشي، مع العنف السياسي، افسدوا جزء من هذه الديمقراطية الممكنة، لكن ايضا علينا ان ننتبه الى ان في تونس كان في الامكان ايضا، خلال المرحلة الفاصلة بين سنه 54 تقريبا الى 58 كان في تلك المرحلة الحساسة، المرحلة المفصلية، كان في الامكان ان تتجه تونس نحو النظام الملكي الدستوري…
لا أقول هذا لانني أفضّل النظام الملكي، لكن أقول هذا لان في تلك الفترة تشكلت بالفعل ديناميكية تعددية، ديناميكية ديمقراطية -علينا نقول ذلك-؛ الحكومات التي تعاقبت على حكم تونس، الحكومات التي تعايشت مع النظام الملكي للباي؛ لمين باي تحديدا، هي في اخر الامر، كانت حاملة لحراك يتيح للاحزاب امكانية ممارسة السلطة في تعايش مع رمز يضمن الوحدة، يضمن الاستقرار.
ليست المسالة مسالة نظام ملكي من نظام جمهوري، لكن المسالة عندي في البحث عن خصوصية التطور السياسي بعيدا عن الاملاءات الخارجية، بعيدا عن طمس الخصوصيات الثقافية. اقول هذا كانني بتراثنا يدفعنا الى البحث عن عماد الاستقرار والوحدة. نحن صدَرنا عن ثقافة اساسها الاجماع. والاجماع يعني الوحدة، يعني الاتفاق حول المركزي والاساسي والاستراتيجي.
أكيد ان الاجماع لا علاقة له بالديمقراطية. أكيد ان الاجماع فيه مبدأ الاستبداد… لكن عن الاجماع كان هنالك شيء يدفعنا، حديث… او من خلال الاجماع نندفع نحو البحث عن الوحدة… لكن “وحدة” المفروض ان لا تكون منهية معضمة للاختلاف والتعدد…
الاختلاف والتعدد مع الوحدة، يعني البحث عن اشياء او عن انماط سياسية، اما ان تكون ملكية دستورية واما ان تكون رئاسية. بمعنى ان الانظمة البرلمانية، في غياب رمز الوحدة اي المَلك، ستكون مدمرة، تماما كما عندما نؤكد على النظام الرئاسي على الشاكلة الامريكية، أعتقد ان في هذا النظام هنالك تعايش بين الاحزاب من خلال البرلمان بغرفتين تقريبا، ورئيس الجمهورية الذي يمثل الوحدة والمرجع، الذي يمثل رئيس السلطة التنفيذية…
يعني أتحدث هنا عن نماذج تراعي التراث والشخصية العربية التي لا تستأنس للتعدد المنفلت والمتسيب. حالات التعدد المنفلتة والمتسيبة لا تحبذها الشعوب العربية… بل هي تميل الى ما يضمن لها الاستقرار لا الى ما لا يضمن لها وحدتها. يعني المسالة اساسية بالنسبة للشعوب العربية في شخصيتها، في بنيتها النفسية، في تراثها… هي تريد ان يكون للدوله وجه، تريد ان يكون للقانون يد عليا تنفذه وتصونه وتحميه… هذه اسس لا يمكن القفز فوقها …
المسالة ليست مسالة تهويمات نظرية لبعض النخب التي تسعى لفرض نماذج استوردتها او تاثرت بها من خلال دراستها ومساراتها الشخصية… الامر يتعلق ببنية نفسية وذهنية لا تريد للديمقراطية ان تكون مغامَرة وقفز في المجهول، حيث لا وجود لاي مرجع، وحيث لا وجود لايه احداثية… هذه فكرة اساسية علينا البناء عليها.
د. ليلى الهمامي



