هل الأدب علم نافع؟

بقلم نبيلة رشدى

لطالما كان الأدب مرآة للروح الإنسانية، يعكس تجارب البشر وأحاسيسهم وأفكارهم، ويقدم نافذة لفهم النفس والمجتمع والوجود، وعند السؤال: هل يعد الأدب علمًا نافعًا؟ يمكن القول إنه ليس علمًا بالمعنى التجريبي الدقيق، لكنه علم معرفي وفني يمتلك قدرة فريدة على توسيع مدارك الإنسان وتنمية شعوره الأخلاقي والجمالي.

فالأدب- سواء كان شعراً أو رواية أو مسرحية- يعلّم القارئ كيف يفكر ويشعر في آنٍ واحد، إذ إنه يوفر مساحة للتأمل في سلوكيات الإنسان ودوافعه، ويساعد على إدراك قيم الخير والشر والعدالة والظلم والحب والكراهية، لذا يمكن القول إن الأدب أداة إصلاح للنفس؛ لأنه يحفز القارئ على مواجهة ذاته ومراجعة مواقفه والتفاعل مع مشاعر الآخرين، وهو ما يسهم في بناء وعي أخلاقي واجتماعي متوازن.

بالإضافة إلى البعد الأخلاقي يقدم الأدب معرفة ثقافية وحضارية، ومن خلال قراءة النصوص الأدبية يتعرف القارئ على تاريخ الشعوب وعاداتها وأفكارها وأساليب حياتها، وهو ما يعزز من قدرة الفرد على الفهم والتفاهم بين الثقافات المختلفة، ومن ثم يصبح الأدب علمًا معرفيًا يثري الذهن ويطور الحس النقدي، ويحفز التفكير المنطقي والتحليلي من خلال دراسة الشخصيات والأحداث والحوارات.

كما أن الأدب يمتاز عن العلوم التجريبية بأنه يلمس عاطفة الإنسان ويؤثر في وجدانه، وهو ما يفسر قدرة الرواية أو المسرحية أو الشعر على ترك أثر نفسي طويل الأمد، فالقصص التي تُروى عن شجاعة بطلة أو مأساة شخصية، أو الشعر الذي يعبر عن الألم أو الفرح، يعمل على تقوية التعاطف ويكسب القارئ قدرة على قراءة النفس البشرية بعمق، مما يجعله أداة تنوير نفسي وروحي.

ومن ثم فإن الأدب علم نافع؛ لأنه يرتقي بالنفس ويصقل الروح ويمنح الإنسان القدرة على التعامل مع ذاته والآخرين بحكمة ورحمة، وعلى الرغم من أن فائدته لا تقاس بالمعادلات والأرقام كما في العلوم الطبيعية، إلا أن أثره العميق في تشكيل الإنسان من الداخل يجعل منه علمًا عمليًا ونافعًا بامتياز.

ومن هنا يمكن القول إن الأدب علم متفرد يجمع بين المعرفة والجمال والأخلاق، وقراءته ونقده تعود بالفائدة على النفس والروح أيضًا، فهو علمٌ يربّي الإنسان ويعينه على أن يكون أفضل نسخة من ذاته، مؤهلًا للتفكير والتأمل والتفاعل الإنساني الراشد.

إن كانت الجدوى من قراءة الأدب ودراسته ونقده هي إصلاح النفس فنعم هي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى