أرض الثروات التي تسبح فوق الذهب وتغرق في الدماء.. ماذا نعرف عن إقليم دارفور

كتبت سوزان مرمر
رغم الصورة النمطية التي تربط دارفور بالحروب والجفاف، يزخر الإقليم الواقع غرب السودان بثروات طبيعية تُعد من الأكبر في أفريقيا. فمن الذهب واليورانيوم إلى الرخام والمياه الجوفية، يمتلك دارفور موارد كان يمكن أن تشكّل رافدًا اقتصاديًا مهمًا للبلاد، لولا الصراع الذي قيّده لعقود.
يرى د. محمد تورشين، الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، في تصريح خاص لـ”يورونيوز” أن المجازر في دارفور ليست سوى فصل جديد في مسلسل طويل من الانتهاكات، مؤكدًا أن اتساع رقعة العنف وعُمقه يبرزان فشل المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمة منذ بدايتها.
ويشير تورشين إلى أن أكبر العقبات تتمثل في بطء الاستجابة الدولية للتحذيرات المتكرّرة بشأن تدهور الوضع الإنساني، رغم نداءات المدنيين والمنظمات المحلية والدولية. هذا التأخر، كما يقول، خلق بيئة لتوسع أعمال القتل والاستهداف الممنهج.
ويضيف الخبير السوداني في حديثه لـ”يورونيوز” أن قوات الدعم السريع واصلت تحركاتها العسكرية على الأرض، متجاهلة قرارات مجلس الأمن، ومستفيدة من تدفق السلاح عبر طرق معروفة في دارفور.
ويعتبر الباحث أن الأطراف الإقليمية أصبحت لاعبًا رئيسيًا في استمرار الحرب، حيث تغذّي بعض القوى الصراع عبر الإمداد بالأسلحة والدعم اللوجستي.
وتحول النفط إلى أداة ضمن شبكة مصالح عسكرية، تُبقي حقول الإنتاج معطّلة، وتعمّق الفجوة بين الثروات المتوفرة والواقع المعيشي للسكان.
ووفقًا لما نقلته صحيفة “الغد السوداني” عن بيانات وزارة الطاقة السودانية، فقد كانت آبار حقول مربع 6 الواقعة شرق دارفور تضخّ ما لا يقل عن ثلاثة آلاف برميل يوميًا قبل اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023. لكن مع اشتداد الصراع، تعرّضت هذه الحقول إلى عملية تدمير ونهب شاملة، فيما تبادل طرفا القتال الاتهامات حول المسؤولية عن تدمير البنية التحتية النفطية.
في الوقت نفسه، تستفيد الميليشيات وقوات مسلحة أخرى من عائدات تهريب النفط لتعزيز سيطرتها على المكان وتمويل صراعاتها، فيما يُحرَم السكان المحليون من أي عوائد اقتصادية، كل هذا وسط تفاقم المخاطر الصحية والبيئية بسبب تدمير الآبار وتسرّب النفط.
موارد الصخور والرخام
يزخر غرب ووسط إقليم دارفور باحتياطيات كبيرة من الرخام والكروم والمعادن المستخدمة في البناء، إذ تشير الدراسات والتقارير إلى أن الرخام السوداني يتميز بنقاء وجودة عالية، ما يجعله مؤهلاً للاستخدام في الزينة والبناء، بينما يستخدم الكروم في صناعة الصلب والسبائك المعدنية، وتُعدُّ معادن البناء مثل الحجر الجيري والجبس والحصى أساسية للإنشاءات والبنية التحتية.
غير أن الاستغلال الفعلي لهذه الثروات يظل محدودًا للغاية بسبب غياب الأمان والحروب المستعرة.
المياه الجوفية
رغم الصورة النمطية التي تصوّر دارفور كمنطقة شحيحة المياه، تشير الدراسات الجيولوجية إلى أن الإقليم يحتضن ست بحيرات جوفية ضخمة تمتد تحت سطح الأرض، وتشكل خزانات طبيعية قادرة على دعم الزراعة والرعي والثروة الحيوانية لعقود طويلة.
وتشير الأبحاث إلى أن هذه المياه الجوفية جزء من الحوض النوبي الرملي ، أحد أكبر خزانات المياه الجوفية في شمال أفريقيا.
ويعتمد السكان المحليون على آبار عميقة وحفائر تقليدية، يصل بعضها إلى 40 مترًا، لتأمين المياه للشرب والري وتوفير السقاية للمواشي، غير أن نقص الخدمات والصيانة، إضافة إلى العقبات الأمنية واللوجستية الناتجة عن النزاعات المسلحة، يعيق الاستغلال الكامل لهذه الموارد.
كما أن بعض الآبار غير محميّة وغير مجهزة تجهيزًا حديثًا، ما يعرّض المياه للتلوّث ويهدد الصحة العامة. ومع استمرار النزاعات والتهجير، يظل الوصول إلى المياه الجوفية في دارفور معركة يومية.
إقليم غارق في الفقر رغم ثرواته
رغم ما يختزنه إقليم دارفور من ثروات، لا يزال يتصدر قائمة المناطق الأكثر فقرًا في السودان، فيما يعيش سكانه في دائرة ممتدة من الحرمان والمعاناة.
وعلى مدى سنوات، تحوّلت هذه الموارد إلى وقود يغذّي صراعًا متعدد الأطراف. وفي مقابلة مع “يورونيوز”، أوضحت الناشطة الحقوقية شادية عبد المنعم كيف تحوّلت ثروات الإقليم، وفي مقدمتها الذهب من مصادر للنمو الاقتصادي إلى أدوات تُستخدم في تمويل الحرب.
وتقول المتحدّثة إن القوى المتحاربة تتجنب استهداف مناطق إنتاج الذهب لما تمثله من قيمة استراتيجية، لكنها لا تتورّع في المقابل عن قصف المدن المكتظة بالمدنيين.
واعتبرت ناشطة أخرى، في تصريحها ليورونيوز، أن قوات حميدتي تتحمل الجزء الأكبر من الجرائم المرتكبة في دارفور، إلا أن الجيش النظامي قيادة عبد الفتاح البرهان متهم أيضًا بـ”تنفيذ قصف عشوائي واعتقالات تعسفية وتأجيج الانقسامات العرقية” وفق تعبيرها.
وقد بدأت الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش عام 2023، وأسفرت حتى الآن عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد 12 مليونًا، فيما تقول منظمات إن العدد الحقيقي للضحايا قد يكون أعلى بكثير.



