مَعًا لِنَبْنِيَ مُسْتَقْبَلًا لِوَطَنٍ أَفْضَلَ، رَافِضِينَ كُلَّ مَا هُوَ مُبْتَذَلٌ، مُنْشِئِينَ لِكُلِّ مَا هُوَ رَاقٍ

إعداد :د/شيماء المتعب
في زمنٍ تتسارع فيه التحديات وتتغير فيه ملامح الحياة بشكلٍ لا يتوقف، يصبح بناء المستقبل مسؤولية مشتركة لا يتحملها فرد واحد، بل تُصنع بإرادة شعبٍ يرفض الانحدار نحو الابتذال ويصمم على الارتقاء بالذوق والوعي والقيم. إنّ الوطن لا يعلو بالصورة ولا بالشعار، بل يعلو بأبنائه الذين يؤمنون أنّ النهضة تبدأ من داخل الإنسان، من فكره، ومن سلوكه، ومن احترامه لنفسه قبل أي شيء.
إنّ رفض الابتذال ليس مجرد موقف ثقافي أو اجتماعي، بل هو فعل مقاومة ضد كل ما يحاول جرّ المجتمع إلى التفاهة أو السطحية أو الهروب من المسؤولية. المجتمع الراقي هو الذي يضع الجودة قبل الكثرة، والقيمة قبل الضوضاء، والجوهر قبل المظهر. وهو المجتمع الذي يعرف أنّ ما يُبنى على أساس ضعيف لا يصمد، وما يُنشأ بلا رؤية لا يستمر، وما يُقدَّم بلا احترام للذوق والعقل والإنسان لا يرقى.
ومن هنا تصبح مهمة كل مواطن أن يشارك في بناء وطنه—لا بالكلام، بل بالسلوك. بالكلمة الراقية، بالتصرف المسؤول، بالعمل المتقن، وبالالتزام الأخلاقي الذي يعكس صورة نهضة حقيقية. إن الوطن لا يحتاج إلى من يصرخ باسمه، بل إلى من يعمل من أجله. لا يحتاج إلى ضجيج، بل إلى جودة. لا يحتاج إلى صور براقة، بل إلى إنجازات خالدة.
ولأنّ المستقبل لا ينتظر المترددين، فإنّ بناء وطن أفضل يبدأ من قرار واضح: أن نكون صناع قيمة، لا مكرري ابتذال. أن نكون بناة وعي، لا أتباع ضوضاء. أن نختار الطريق الصعب… طريق الارتقاء. فالأمم التي نهضت لم تنهض بالكسل ولا بالتساهل، بل نهضت بإيمان صادق بأن الرقيّ حق… وأن الوطن يستحق.
ولنكتمل معًا هذه المسيرة، يجب أن نؤمن أنّ كل فعل مهما صغر—كلمة طيبة، عمل متقن، سلوك محترم—هو حجر صغير في صرح كبير. ومع تراكم هذه الأحجار تتشكل دولة قوية، مجتمع راق، ومستقبل يليق بالأجيال القادمة.
فلنمضِ معًا—رافضين كل مبتذل، منشئين كل راقٍ—كي نبني وطنًا يليق بأحلامنا… ويمنح أبناءه غدًا أفضل مما كان بالأمس.
وفي ختام هذا الطريق الذي نرسمه بإرادتنا، ندرك أن بناء المستقبل ليس حدثًا عابرًا ولا شعارًا يُرفع في لحظة حماس، بل هو مسار طويل من الوعي والالتزام والعمل المتواصل. إنّ الوطن الذي نحلم به لا يُمنح لنا جاهزًا، ولا يُصنع بقرارات فوقية وحدها، بل يتشكل من مجموع القيم التي نتبناها، ومن اختياراتنا اليومية، ومن مستوى الرقي الذي نقرره لأنفسنا قبل أن نطالب به غيرنا. فكل خطوة واعية نتخذها، وكل فكرة نيرة ننتجها، وكل سلوك محترم نقدّمه، هو لبنة تُضاف إلى جدار وطن قوي، لا تهزه العواصف ولا تشتته الفتن.
ولعل أرقى ما يمكن أن نصنعه لأوطاننا هو أن نكون نحن أنفسنا نموذجًا للرقيّ الحقيقي، ذوقًا وفكرًا وسلوكًا. أن نرفض بشجاعة كل ما يسيء للصورة العامة، وكل ما يحاول جرّ المجتمع إلى الابتذال والسطحية، وأن ندافع في المقابل عن الذوق الرفيع، عن الفكرة العميقة، عن الجهد الصادق، وعن كل ما يجعل الوطن مكانًا يستحق أن نعيش فيه ونفخر بالانتماء إليه. إن التنمية الحقيقية تبدأ من الفرد عندما يقرر أن يكون قيمة مضافة، لا عبئًا، أن يكون نورًا يبدد ظلام الضجيج، وصوتًا للعقل وسط الفوضى، ويدًا تبني بدلًا من أن تهدم.
وبين رفعة الفكر ونقاء السلوك، تتشكل ملامح مستقبلٍ يليق بنا وبأبنائنا. مستقبل يضمن للوطن مكانته، وللمجتمع احترامه، وللإنسان كرامته. فالرقيّ ليس ترفًا، بل ضرورة، والبذاءة ليست عابرًا، بل خطر يهدد الوعي ويشوّه الهوية. ومن ثم يصبح التمسك بالقيم الراقية واجبًا وطنيًا لا يقل أهمية عن أي إنجاز مادي أو تقدّم تقني.
فلنواصل الطريق بثبات، مؤمنين بأن سعينا اليوم سيُثمر غدًا، وأن ما نغرسه من وعي ورقيّ سيحصد منه الوطن أجيالًا قادرة على حمل الراية والمضي قدمًا بثقة. ولنمضِ معًا—كما بدأنا—نرفض كل مبتذل، وننشئ كل راقٍ، ونبني بحب وإخلاص وطنًا يليق بطموحنا، ويستحق أن نحلم لأجله… ونحيا من أجله… ونُخلِد باسمه.



