خطبة اليوم الجمعة الموحدة “هلّا شققْتَ عنْ قلبِهِ”

كتبت سوزان مرمر

عنوان خطبة اليوم الجمعة “هلّا شققْتَ عنْ قلبِهِ”

الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا الدينَ، وأتمَّ النعمةَ، وأوضحَ السبيلَ، ورضيَ لنا الإسلامَ دينًا، وجعلَه سهلًا يسيرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، شرعَ الرفقَ والتيسيرَ، ونهى عن الغلوِّ والتعسيرِ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيَّه من خلقِه وحبيبه، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، وبعدُ:

 

فإنَّ تعاليمَ الإسلامِ هي النور الهادي، والحصنُ الواقي، والملاذُ الآمنُ، الذي يغمرُ أرواحَنا بالسكينةِ، ويُنعشُ مجتمعَنا بالرحمةِ، فجوهرُ هذا الدينِ يدعو المؤمنَ ليكون ينبوعَ رحمةٍ، وغيثَ أمانٍ، لا سيفَ شِدَّةٍ ولا منبعَ عدوانٍ، ولقد جاء التوجيهُ المحمديُّ ليؤكدَ حقوقَ الإنسانِ، ويجعلَ التعاملَ بين الناسِ قائمًا على البصيرةِ لا على ظنونٍ تورِدُ المهالكَ، فالتشددُ مرفوضٌ، والحكمُ على النوايا حَرَمٌ لا ينبغي تجاوزه في أيِّ نزاعٍ، فكيفَ لنا أن نطلقَ الأحكامَ على الضمائرِ ونحن لا ندركُ السرائرَ، وهو وحده يبلو خفيّات الضمائر؟ فلا بدَّ أن نتبنى أخلاقَ القرآنِ، وأن نبتعدَ عن التسرعِ والتجني تحتَ شعارِ الاستعلاءِ بالإيمانِ، لذلك كان السؤالُ النبويُّ الخالدُ الذي أنكرَ فيه الجنابُ المعظمُ صلى اللهُ عليهِ وآله وسلمَ فعلَ سيدِنا أسامةَ عندما طلب أحدهم الأمان بكلمة التوحيد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فرأى سيدنا أسامة رضي الله عنه أن الرجل قالها خوفًا من السلاح فقتله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا؟ أَمْ لَا؟»، فليس بعد هذا الكلمِ المعظَّمِ غايةٌ في التنبيهِ على وجوبِ احترامِ الحياةِ البشريةِ، وحسن الظن بالخليقة، وعدمِ الانسياقِ خلفَ الظاهرِ انقيادًا للظنِّ واتِّباعًا للهوَى.

 

أيها المكرمُ: إن تعاليم الإسلام وتوجيهاته هي الكهف الحصين، والمنهج القويم للإنسانيةِ، أَلَمْ يقفِ الجنابُ المعظمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في خطبةِ الوداعِ ليعلنَ الميثاقَ العالميَّ الأولَ لحقوقِ الإنسانِ؟ أَلَمْ يجعلِ النبيُّ دمَ المؤمن أشدَّ حرمةً عند اللهِ من الكعبةِ، فعن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا».

 

أليست كلماتُه الإنسانيةُ الخالدةُ في جنازةِ اليهوديِّ: “أَلَيْسَتْ نَفْسًا” تنسفُ كلَّ عنصريةٍ؟ أَلَمْ يكن هذا التعاملُ النبويُّ الراقي هو الحافظَ لحقِّ الكرامةِ الإنسانيةِ الشاملةِ؟ فتخيَّرْ منهجَ التسامحِ والسترِ، وابتعدْ عن الحكمِ على الخلقِ بالظنِّ، واتهامِ الناسِ بغيرِ حقٍّ، والتمسِ العذرَ لغيرِك، ولا تبحثْ عن عيوبِ الناسِ قبل أن تنظرَ في عيوبِ نفسِك، واستمعْ إلى هذا النداءِ الإلهيِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتنبُوا كَثيرًا مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى