لأنها الأنثى …فهي تستطيع

كتبت صفاء مهنا

في كل مرة تحزم فيها غالية حقائبها وأطفالها ،ولو على عجل ،وتتوجه لمنزل العائلة، بعد خلاف مع زوجها وصل لحد التعدي والضرب المبرح أمام بناتها ،تظن أنها الأخيرة ،حيث لن يقبل والداها بعودتها لمنزل الزوجية ،بعدما تعرضت له من ضرب وتعنيف ..لكن يأتيها الرد (اصبري عشان البنات ).

مر الوقت و جاء اليوم التي خرجت فيه غالية من منزلها من دون عودة، لكن بعد فوات الأوان ، تاركة طفلتيها مع الفقدان والضياع .. ..أتعلمون إلى أين ؟؟أخبركم بذلك بعدما أذكر لكم قصتي نجاح وسارة..

نجاح كانت حياتها عبارة عن عمل وعمل وضغوط مهنية وعائلية تكاد لاتحتمل ..أجواء مشحونة بالتعب والإرهاق دفعتها في كثير من الأوقات للانسحاب واتخاذ قرار عدم المتابعة بعدما وصلت لقناعة أن عملها يستهلك طاقتها وصحتها دون أن يقدم لها الكفاية المادية أو الخبرة ولا حتى السعادة ..وفي كل مرة تصل فيها لمرحلة اتخاذ القرار بالانسحاب تتراجع لاسباب عديدة منها الحاجة للعمل وكثرة الالتزامات المادية.

أما سارة فتزوجت لأحد أقاربها في المغترب الميسور الحال وأنجبت أطفال لكنها فشلت ولم تستطع الاستمرار وأيضا بعد فوات الأوان ، عادت لمنزل عائلتها محم^لة بالفشل والخيبة، وأطفال يحتاجون للدعم والرعاية، بعدما تنصل الأب من الدعم والرعاية.

بعد سنوات غالية خرجت من منزلها للمرة الأخيرة دون عودة بالفعل، تاركة طفلتيها لليتم بعدما ،ق’تلت على يد زوجها وهو في حالة فقدان الوعي، أما نجاح فقد تركت عملها مرغمة ،بعدما اشتد عليها المرض لكثرة ماتعرضت للإرهاق والإجهاد ، وليس في جيبها حتى رصيد العلاج ،أما سارة عادت لمنزل والديها مع أطفالها لأنها لم تنسحب قبل فوات الأوان (أغرتها الملاءة المادية للزوج) .

هنا لن أتطرق للحديث عن حقوق المرأة والقوانين التي تضمن لها حقوقها وكرامتها ففي هذه الحالات ليست القوانين فقط من تحمي.

غالبية الدول طورت قوانينها وسنتها لصالح الحفاظ على حقوق المرأة ولاتزال تضع استراتيجات لذلك ..وحتى المؤسسات الأممية تعمل على دعم النساء عبر العالم عبر العديد من البرامج والحملات والقوانين ..لكن كل ذلك هل يمنع الانتهاكات الإنسانية بحق المرأة ؟لا لا يمنع!!!

لماذا ؟لأنها تصطدم بطبيعة وخصوصية كل مجتمع، ونظرته للمرأة ونوع التربية ،وماهي الأفكار التي تزرعها كل أم في بناتها حول حقوقها وطبيعة علاقتها بشريك المستقبل وأسباب أخرى يطول شرحها .

غالية ،نجاح وسارة … ليست قصصا” من وحي الخيال ولاحالات فردية، هن نماذج حقيقية من سيدات التقيت بهن أثناء عملي في الصحافة الموجهة للنساء، كان ذلك بداية مسيرتي المهنية وفيها ..

خمس سنوات من العمل في هذا النوع من الصحافة كنت فيها على تماس يومي ومباشر مع عشرات الحالات لسيدات منهن النماذج الناجحات اللواتي تستلتهم من تجربتهن ومنهن، لأنهن أدركن مكامن القوة لديهن وأين وكيف يتم استثمارها …ومنهن من استكانت للظروف ولم تستطع التخطي أو تغيير واقعها فدفعت ثمنا كبيرا ،

حينها ولشدة انكسارهن وتأثري ورغبتي بمساعدتهن على التعافي، كنت أتمنى لو امتلكت مصباح علاء الدين ، لأنقذ كل سيدة كسرت الظروف والمجتمع جناحيها ،

لاأنكر أن السنوات الخمس تلك علمتني وصقلت تفكيري، واستلهمت منها الكثير ..أخبرتني لأنه لامكان أو نجاح نستطيع الوصول إليه، دون محاولات متكررة ودون بذل أقصى الجهود والسعي للنجاح شريطة أن تبذل تلك الجهود في المكان المناسب ومع الاشخاص المناسبين ،كي لاتبني حياتك ومستقبلك على تربة رملية تنهار في أي لحظة ..وكي لا تصل للانهيار والخسارة التي لاتعوض ، عليكي ان تتقني فن الانسحاب ..فالانسحاب هو خطوة نحو التحسن والبناء، قد يولد لك حياة جديدة، وفرصا واعدة وليس العكس ..حيث الوجود والاستمرار في مكان أو علاقة غير مناسبة يخل*ف آثارا لايمكن تجاوزها..

لا أتذكر اليوم سنواتي المهنية الخمس تلك من فراغ وإنما لكثرة ماأرى وأسمع عن إجحاف واستغلال بحق النساء في كل المجالات والأماكن لاتحميها قوانين ولايحفظها مجتمع ولاالبيئة المحيطة ،بل القوة النابعة من داخل كل أنثى لأنها تستطيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى