لارا محفوض تكتب من دمشق: يا مصر، لا تطفئي قناديل تشرين

يقولون إن لكل شيء تاريخاً مدوناً على ورقة، بداية ونهاية. لكن يبدو أنهم نسوا تلك الأيام التي لا تسكن التقويم، بل تسكن فينا، تجري في عروقنا وتنبض مع قلوبنا. والسادس من أكتوبر ليس مجرد تاريخ، بل هو حكاية كرامة وُلدت فجأة على جبهتين، بقلبٍ واحد.
لذلك، وفي كل عام، تتجه عيوننا نحن السوريين صوب القاهرة. نراقبها بقلوبنا قبل أعيننا. لا نبحث عن مجرد احتفال عسكري يمر، بل نبحث عن شيء أعمق: عن ذاكرة تُصان، وأمانة عظيمة تُحمَل، وعن تلك الشعلة التي نخشى عليها من رياح النسيان.
هنا يكمن السر. ذاكرة تشرين الحقيقية لم تكن يوماً حبيسة البيانات الرسمية أو القرارات. إنها تتنفس في حكايات جدٍّ يروي بحماس عن يوم العبور، وتتردد في بحّة صوت فنان عظيم وهو يغني للوطن، وتلمع في دمعة فخر في عين جندي قديم ما زال يعيش تفاصيل تلك اللحظة المجيدة. هذه هي الذاكرة التي لا يملك أحد حق مصادرتها.
ولهذا السبب بالذات، يا أهلنا في مصر، احتفالكم اليوم يتجاوز حدودكم ليحتضننا. أنتم لا تحتفلون بنصركم فقط، بل تحملون عنا وعنكم أمانة المجد كله. أنتم اليوم تلك المنارة التي لا تضيء للسفن التائهة في البحر، بل للأرواح الباحثة عن دفء الكرامة. فلتكن سماء القاهرة مضاءة، ولتعلموا يقيناً أن نورها يعبر آلاف الأميال، ليصل إلى كل بيت في سوريا، كرسالة صامتة تقول: “لستم وحدكم”.
فاحتفلوا يا أشقاءنا، ارفعوا أصواتكم وأعلامكم عالياً. فصداكم هو صوتنا، وظلّ أعلامكم هو أماننا. أما عن ذاكرة تشرين… فهذه حكاية أخرى. حكاية أكبر من أي قرار عابر، وأبقى من أي محاولة للمحو. إنها قصة الأبطال، وقصتنا جميعاً، وهي باقية ما بقي فينا قلب ينبض.