د/ بسمة خالد تكتب: ما بعد الألم يولد الرجاء

الحياة لا تمضي دائمًا كما نخطط لها. نخسر أشخاصًا كنا نظن أنهم البقاء، نفقد فرصًا كنا نراها طريق المستقبل، وتمر بنا لحظات نشعر فيها أن الألم أكبر من قدرتنا على الاحتمال. في وسط كل هذا، يطل علينا مفهوم العوض كرسالة خفية تقول: “لم ينتهِ الطريق بعد، فما فقدته قد يُعوَّض بخير أجمل مما تتخيل.”

العوض ليس مجرد حدث يقع فجأة، إنما هو حالة نفسية تمنحنا القدرة على النهوض من جديد. حين ندرك أن كل خسارة يمكن أن تفتح لنا بابًا آخر، نبدأ في رؤية الحياة بعيون مختلفة. أحيانًا يكون العوض في إنسان صادق يدخل حياتنا، وأحيانًا في فرصة لم نتوقعها، وأحيانًا أخرى في سلام داخلي لم نشعر به من قبل.

الاعتقاد أن الألم لا يدوم وأن هناك خيرًا ينتظرنا هو ما يمنحنا القوة على الاستمرار. هذا الإيمان يعمل كجسر نفسي نعبر به من الحزن إلى الأمل، من الانكسار إلى النهوض. ومع مرور الوقت نكتشف أن كل تجربة مؤلمة كانت خطوة ضرورية أو درسًا يقودنا إلى ما هو أفضل.

العوض لا يأتي دائمًا من الخارج، وإنما نصنعه نحن أحيانًا. عندما نتعلم من خسارتنا، أو نكتسب شجاعة جديدة، أو نختار أن نغفر ونمضي، نكون قد خلقنا لأنفسنا عوضًا. حتى التفاصيل الصغيرة مثل الامتنان لما نملكه، كتابة الأشياء الجميلة التي تحدث يوميًا، أو لحظة صادقة مع النفس، كلها أشكال من العوض الذي يعيد إلينا توازننا الداخلي.

وكثيرًا ما يظهر العوض في صورة أشخاص. نخسر من لم يقدرنا، ثم نجد من يمنحنا حبًا صادقًا. نفقد علاقة أرهقتنا، لنفاجأ بعلاقة تبني فينا السلام. هذه اللحظات تجعلنا ندرك أن الله لا يأخذ إلا ليعطي، وأنه لا يترك فراغًا إلا ليملؤه بما هو أعمق وأصدق.

في النهاية، العوض ليس وعدًا مؤجلًا فحسب، وإنما يقين نزرعه بداخلنا بأن الخير قادم، حتى لو لم نعرف شكله أو موعده. وحين يصل، ندرك أنه لم يكن مجرد بديل عما فقدنا، إنما كان أجمل وأوسع من أحلامنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى