مأمون الشناوي يكتب: الحزن الجميل !!

أجمل الحزن ما لايراه العدو ، ولا يرصده ، الحزن المنتقب ، الحزن المستور ، الحزن المكنون ، الحزن الدفين ، الحزن الساكن حنايا القلب لايبرح بابه ، كأنه ناسك متعبد اتخذ من غارٍ في بطنِ جبلٍ مأوي ومسجدا ، كأنه ياقوتة في جوف صدفة في أعماق المحيط !!.
أجمل الحزن الذي عشش في أحداق العيون ، وقد يمطر دموعاً طاهرةً في لحظة خلوة مع النفس ، ومع الله ، وقد يظلل الشفاه الرطيبة بابتسامة خجولة ، فتضفي علي هذا الحزن الجميل بهاء وشجنا !!.
ومحظوظ مَن يولد بهذا الحزن الجميل ، أيقونة يضعها الله في بعض خلقه ، والتي لو عرفها عدوه لحسده عليها ، حيث تنبعث منها اشعاعات تطهر النفس والروح والجسد ، تمتص سموم الشر والميول العدوانية وهواجس النفوس ، وتقف في وجه الشيطان تفسد عليه وساوسه ونزغاته !!.
والحزن الجميل ليس شرا ، ولا عِلة ولا مرضا ، ولا كآبة ولا تشاؤما ، ولاهماً ولا غما ، ولا عبوساً ولا نكدا ، وإنما هو حالة تشبه سحابات الصيف التي تكسر حدة لهيب الشمس ، حالة تأخذ بيدك إلي طريق السماحة والرضا ، حالة تحمي قدميك من أشواك الحياة ، وعثرات الدروب !!.
وقد كان وجه النبيّ { محمد } صلي الله عليه وسلم يكسوه مسحة من هذا الحزن الجميل ، ربما لثقل المسؤولية والأمانة [ إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلا ] ، وربما حرصاً منه علي تبليغ الرسالة كما أمره ربه [ يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ] ، وربما حزناً علي الذين رفضوه وناصبوه العداء والعناد ، وهم أهله [ لعلك باخع نفسك علي آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ] !!.
فليس كل الحزن شر ، ولا ردة فعل لمأساة ، ولا سخطاً علي سوء الحظوظ والمقادير ، وإنما قد يكون حزناً جميلا نبيلا ، يهطل علي النفس مثل هطول الغيث النافع علي الأرض المُجدبة ، فيحيي فيها السلام والأمن والطمأنينة ، والتسليم والسكينة ، والحب !!.