مأمون الشناوي يكتب: الواعظ .. والداعية .. والعالم !!

في زمن فوضي الألقاب ، اختلط الحابل بالنابل ، فصار السباك باشمهندس ، وحلاق الصحة دكتور ، وأمين الشرطة باشا ( مع احترامي لكل المِهن والحِرف ) ، حتي باتت هذه الألقاب التنكرية حقاً مكتسباً لأصحابها ، يغضبون منك إذا تجاهلتها !!.
ومن نافلة القول ، أنني – وأثناء خدمتي في القوات المسلحة منذ زمن بعيد – كنت لا أعرف الفرق بين الرتب ، فأنادي علي ( الصول ) بأنه ( أومباشي ) ، فيغضب بشدة حد السخط عليّ ، ويتهمني بالعمي ، قائلاً : ( إنت أعمي ياعسكري ، مش شايف الرتبة اللي علي اكتافي ) ، وقد كنت أحسب انني أمتدحه ، وأُعلي من مكانته ؛ فقد ترسخ في يقيني أن ( أومباشي ) هذه هي أفخم رتبة في الجيش !!.
وفي سوق فوضي الألقاب هذا ، رأيتنا نخلع علي رجال الدين نعوتاً وصفات وألقاباً ، لا تتفق مع الحقيقة العلمية ، ولا المهمة التي يمارسونها ، فانقسم المشايخ عندنا بين داعية وعالم ، وبالغنا عند بعضهم فأطلقنا عليه ( إمام الدعاة ) !!.
وهي ألقاب للمجاملة والنفاق المجتمعي ، تشبه ألقاب أهل المَغني ، فهذا كنج وهذا هضبة وذاك أسطورة ، كما تشبه اخوتنا المدرسين الخصوصيين ، فهذا قنبلة الفيزياء ، وهذه صاروخ الفلسفة ، وذاك بازوكا الرياضيات !!.
والحقيقة أن كل المشايخ الذين يطلون علينا عبر الشاشات ومن فوق المنابر ، هم وعاظ ، ولا يوجد بينهم داعية ، ولا عالم !!.
فالداعية ، هو ذاك الذي يتوجه إلي ( غير المسلمين ) ، يدعوهم إلي الإسلام ، عارضاً عليهم مافي هذا الدين الحنيف من تسامح وحرية وأخلاق ومعاملات ، وتوحيد وتنزيه لله سبحانه ، وهناك مَن يفعل ذلك في أوربا وفي أمريكا وفي إفريقيا ، وقد حقق بعضهم انجازات عظيمة !!.
أما العالم ، فهو الذي يقدم للإنسانية انجازاً أو اختراعاً أو اكتشافاً أو نظرية أوعلماً جديداً ، وهذا اللقب لا ينبغي إطلاقه إلا علي رجال المعامل والبحث العلمي والعلم التجريبي ، وفقط !!.
فالذي اخترع الهاتف عالم ، والذي اكتشف مصل شلل الأطفال عالم ، ومكتشف البنسلين عالم ، ومخترع البنج عالم عظيم ، وفرويد ومندل وداروين وزويل علماء ، لكن ابن باز وابن العثيميين والحويني وحسان ويعقوب والشعراوي والغزالي وعلي جمعة وأمثالهم ، فهم وعاظ ومشايخ ، وليسوا علماء ، مع احترامنا وتقديرنا للجميع !!.
إن استقامة المجتمع تبدأ بضبط بوصلته ، وتحرير مصطلحاته ، وانضباط أحكامه ، حتي لاتسود الفوضي ، وتتعقد الخيوط ، وتتوه الحقوق وتضيع ، ويختلط الحابل بالنابل كما قلت !!.