اختراق ضخم.. بيانات 2 مليار مستخدم على جوجل تضع العالم أمام تهديد سيبراني غير مسبوق

بقلم/ هيثم جمال السدوري
في واقعة تُعد من أخطر الهجمات الرقمية في التاريخ، وُضعت بيانات نحو ملياري مستخدم لجوجل تحت التهديد بعد اختراق ضخم هزّ العالم. الحادثة كشفت هشاشة الأنظمة الرقمية وطرحت تساؤلات كبرى حول الأمن السيبراني ومستقبل تكنولوجيا المعلومات، خاصة في ظل تحول الاختراقات إلى سلاح خفي يهدد الحكومات والمؤسسات والأفراد على السواء.
الأمن السيبراني.. من قضية تقنية إلى أمن قومي
لم يعد الأمن السيبراني مجرد شأن تقني يخص المبرمجين والمتخصصين، بل أصبح قضية أمن قومي تمس استقرار الدول وحماية مؤسساتها الحيوية.
الخبراء يؤكدون أن الهجمات الإلكترونية باتت تُدار بمنهجية تشبه الحروب التقليدية، مع فارق أن “الطلقات” هنا عبارة عن أكواد رقمية قادرة على تعطيل وزارات، سرقة بيانات حساسة، أو حتى شل أنظمة مالية كاملة.
تقنيات حديثة.. وثغرات بشرية قاتلة
يقول الخبراء إن مواجهة التهديدات تتطلب مزيجًا من التقنيات الحديثة والأساليب التقليدية:
الحماية الحديثة: الذكاء الاصطناعي لرصد السلوكيات غير الطبيعية، التشفير المتطور، المصادقة متعددة العوامل، والحوسبة السحابية الآمنة.
الأساليب التقليدية: كلمات مرور قوية، تحديث دوري للبرامج، النسخ الاحتياطي، والتدريب والتوعية.
فالاختراقات الكبرى، كما يؤكد مختصون، غالبًا ما تبدأ من ثغرات بشرية بسيطة، مثل كلمة مرور ضعيفة أو رابط ملغوم.
المنظومات الرقمية.. أداة للتنمية لا يمكن الاستغناء عنها
رغم المخاطر، لا يمكن للعالم الاستغناء عن هذه المنصات والبرامج التي باتت العمود الفقري للحياة اليومية:
في الصحة: أنظمة متابعة المرضى عن بُعد، إدارة المستشفيات إلكترونيًا، تقليل قوائم الانتظار، وتحسين جودة الخدمة الصحية.
في التعليم: التعلم عن بُعد، المنصات الذكية، وحلول معالجة المشكلات التعليمية في القرى والمناطق النائية.
في الزراعة: الذكاء الاصطناعي لمراقبة المحاصيل، التنبؤ بالمناخ، وحلول الأمن الغذائي.
في الاستثمار والاقتصاد: التجارة الإلكترونية، منصات الدفع الرقمي، وتحفيز ريادة الأعمال.
لكن في الوقت ذاته، لا بد من وجود بديل ورقي مؤمَّن وسري يُستخدم عند الضرورة، بحيث لا يتوقف العمل إذا تعرضت الأنظمة الرقمية للاختراق. تطوير البدائل الورقية بالتوازي مع المنظومات الإلكترونية يضمن استمرارية الخدمات وحماية البيانات.
القوانين والتشريعات.. السلاح الرادع
القانون المصري: يجرم جرائم تقنية المعلومات بموجب القانون رقم 175 لسنة 2018، مع عقوبات تصل إلى السجن المشدد والغرامات الكبيرة، وهناك دعوات لتعديله لتشديد العقوبات أكثر.
القانون الدولي: يعتبر الهجمات السيبرانية تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وتعمل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية على صياغة اتفاقيات ملزمة لتجريمها.
جامعة الدول العربية: تسعى لإطلاق آلية عربية موحدة للأمن السيبراني، مع إمكانية توقيع اتفاقية إقليمية لتبادل المتهمين في هذه الجرائم.
القمة المقبلة في القاهرة.. نحو اتفاقية سيبرانية عالمية
من المقرر أن تستضيف مصر في فبراير المقبل النسخة الأولى من قمة ومعارض عالم الذكاء الاصطناعي، والتي من المنتظر أن تكون منصة تاريخية لإطلاق اتفاقية دبلوماسية دولية لمكافحة الجرائم السيبرانية.
المقترح يتضمن:
تبادل وتسليم المتهمين بالاختراقات بين الدول.
تغليظ العقوبات لتصبح رادعة طبقًا للقانون الدولي.
إدخال تعديلات دستورية وتشريعية في مصر وعدة دول عربية ودولية لتجريم الهجمات الإلكترونية بأقصى العقوبات.
اعتبار استهداف الوزارات والحكومات والمنظمات الدولية جريمة كبرى ضد الإنسانية والأمن الدولي.
مصر والدور العربي في المواجهة
مصر، بدعم من الدول العربية، تطرح نفسها كقوة إقليمية في الأمن السيبراني، عبر:
تأسيس المركز المصري للاستجابة لطوارئ الحاسبات EG-CERT.
الدعوة إلى تحالف عربي–إفريقي–دولي ضد الجرائم السيبرانية.
استغلال القمة المقبلة لطرح اتفاقية تضع القاهرة في قلب المشهد الرقمي العالمي.
من البيت إلى الدولة.. حماية شاملة
الهجمات الإلكترونية لا تستهدف الحكومات فقط، بل تمتد إلى كل بيت ومؤسسة:
الأفراد: ضرورة استخدام برامج حماية، الحذر من الروابط المجهولة، وتشفير البيانات.
الأسر: توعية الأبناء بخطورة العالم الرقمي ووضع ضوابط للاستخدام.
المؤسسات: إنشاء أنظمة استجابة سريعة وتدريب الموظفين على الأمن الرقمي.
حادثة اختراق بيانات ملياري مستخدم على جوجل لم تكن مجرد إنذار، بل إعلان عن حرب رقمية مفتوحة. وإذا لم يتحرك العالم سريعًا، فقد تكون الضربة القادمة أشد وأخطر.
ومن اللافت أن مصر استضافت المنتدى العربي للذكاء الاصطناعي بمدينة العلمين الجديدة، على مدار يومين، بمشاركة واسعة من خبراء وباحثين وممثلين عن الحكومات العربية.
وقد أسفر المنتدى عن الاتفاق على إنشاء “مجلس الوزراء العرب الخاص بتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي” تحت مظلة جامعة الدول العربية، ليكون منصة عربية موحَّدة لوضع الاستراتيجيات والسياسات المشتركة، وتعزيز التعاون في مجالات البحث والتطوير، وتشجيع الاستثمار في التطبيقات التكنولوجية الحديثة.
ومع انعقاد قمة الذكاء الاصطناعي بالقاهرة في فبراير المقبل، تملك مصر فرصة تاريخية لقيادة العالم نحو ميثاق سيبراني دولي يضمن حماية البيانات والمعلومات، ويجمع بين الأمن الرقمي والتوثيق الورقي المؤمن، لتصبح القاهرة في مقدمة الدول التي تحمي شعوبها وتؤمن مستقبلها الرقمي