مفهوم البحث الجنائي في السياق القانوني

الباحث- بدر خالد السيد

 

مفهوم البحث الجنائي في السياق القانوني

البحث الجنائي هو المرحلة الاستدلالٌة التي تسبق التحقيق الابتدائي، وتنُاط برجل الضبط القضائي وفقاً لنص المادة (42) من قانون الإجراءات الجنائية. لا يملك خلالها سلطة اتخاذ قرارات إجرائية ذات طابع قضائي، لكنه يجمع أدلة تساعد النيابة لاحقاً.

الفارق المحوري أن البحث الجنائي لا يعتبر وسيلة إثبات مباشرة أمام التحقيق الإبتدائي وهو الذي يحوّل الأدلة إلى حجج قضائية.

ثانياً: الإطار القانوني للبحث الجنائي في مصر:

المضمون النص القانوني المصدر القانوني

يعد من مأموري الضبط القضائيقانون الاجراءات الجنائية المادة 21

مهمة مأموري الضبط: جمع الاستدلالات.. نص القانون المادة 24

حرية الفرد وكرامتة مصونةالدستور المصري المادة 40

بمعني؛ لايجوز القبض أو التفتيش إلا بأمر قضائي * ويتضح من ذلك أن الضابط القضائي لا يعمل بحرية مطلقة، بل أنه علية قيود ويخضع لضوابط صارمة سواء أكانت دستورية أو قانونية، وكلها تتضمن أحترام الحريات والضمانات التي تكفلها.

ثالثا: الطبٌيعة القانونيَّة للبحث الجنائي:
.
يتميز البحث الجنائي بالخصائص الاتية:

صفة الاستعجال: غالباً ما يتم فور وقوع الجريمة.

السريٌة: حفاظًا على سلامة الإجراءات وعدم تنبية الجناة.

عدم الحجٌّة: ما لم يتم تأكيدة بحقيق قضائي.

رأي الفقه: ومنهم الدكتور رمضان أبو السعودحيث يري أن البحث الجنائي يجب أن يظل في نطاقه الضيق؛ كمرحلة جمع معلومات، ولا يُستغل كأداة للنيابة لمباشرة تحقيقات غير رسمية.

رابعا: أدوات البحث الجنائي بالتفصيل:

المعاينة الميدانية :

تشمل تصوير مكان الجريمة، رفع الآثار، تحليل المسافة والزمن.

قد تتضمن معاينة جثة، سلاح، أوراق أو مستندات.

نص المادة ( 58 من قانون الإجراءات) ينظم المعاينة.

سماع أقوال الشهود:

يدون الضابط أقوال من لهم علاقة بالحادث.

شهادتهم تُعد استدلالًا لا دليلًا قاطعًا.

جمع المعلومات والتحريات:

تتم غالبًا من خلال المخبرين أو مصادر سرٌية.

لا تعد دليلاً كافياً إلا إذا أيدت بتحقيق قضائي ( حكم محكمة النقض المصرية، طعن رقم 13352لسنة 60 قضائية).

ضبط الأشياء والأشخاص:

يتم بعد إذن النيابة، أو في حالات التلبس فقط ( المادة 34 من قانون الاجراءات الجنائية).

يشترط وجود قرائن قوية“.

الأستعانة بالخبرة الفنية:

مثل الطب الشرعي، تحليل الحمض النووي، أو فحص البصمات.

تخضع هذه التقارير لتقدير القاضي، لكنها تعد أدلة علمية قوية.

خامسا: أساليب البحث الجنائي التقليدية والحديثة:

(1) الأساليب التقليدية:

المراقبة الميدانية.

أستجواب غير رسمي للمشتبه فيه.

تحليل الانماط الإجرامية.

الربط بين الوقائع المتكرره.

(2) الأساليب العلمية الحديثة

الذكاء الاصطناعي الجنائي: تحليل البيانات الكبري لنحديد المشتبه فيهم.

التحقيق الرقمي الجنائي: تحليل الهواتف، البريد الألكتروني، التشفير.

التعقب البيومتري: استخدام كاميرات التعرف علي الوجه أو الحركات.

تطبيق عملي علي ما سبق: وذلك في قضايا النصب الإلكتروني، يتم تتبع الأموال عبر شبكة العالمية، وتحليل حسابات بنكية رقمية. SWIFT

سادسا: التوازن بين البحث الجنائي وضمانات حقوق الإنسان:
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه. ” هل البحث الجنائي يكون بمثابة أداة قمع وأنتهاك لحقوق المواطنين؟

 

الاثر المصدر الضمان

حماية الخصوصية المادة 54 من الدستور عدم جواز التفتيش الإ بإذن

ضرورة حضور محامٍ في التحقيق قانون المحاماة كفالة الدفاع

بطلان أي دليل ينتج عن التعذيب المادة 52 تحريم التعذيب

 

الاجابة بالطبع لا ينبغي ألا يتحول البحث الجنائي الي أداة قمع أو إنتهاك لحقوق المواطنين، لذا تظهر أهميته :

حيث قضت محكمة النقض ببطلان الاعتراف الصادر تحت وطأة الإكراه ولو كان موافقًا للواقع“.

سابعاً: تحديات واقعية تواجه البحث الجنائي:

  1. ضعف الإمكانات الفنية في أقسام الشرطة بالمحافظات.

  2. نقص الكوادر المؤهلة علمياً في مجال الجرائم الرقمية.

  3. تعارض المصالح بين جهات جمع الاستدلالات وجهات التحقيق.

  4. أستغلال مرحلة البحث في الضغط علي المتهمين.

وهنا نجد رأي فقهي: يري أن علي المشرع أن يمنح مرحلة البحث مزيداً من التنظيم والاشراف القضائي؛ لأن ما يبدأ فاسداً، لا ينتظر منه عدالة.”

ثامناً: دراسات مقارنة:

فرنسا:

يخضع رجال الشرطة القضائية لإشراف مباشر من قاضي التحقيق، ولا يحق لهم سماع الشهود إلا في وجود محام.

الولايات المتحدة الأمريكية:

البحث الجنائي يتم وفقا لمبدأ Due processويخضع لأوامرقضائية صارمة، وخاصة في التفتيش والتنصت.

مصر:

لا تزال مرحلة جمع الاستدلالات غير خاضعة لرقابة مباشرة، مما يثير جدلاً حول مدي شرعيتها العملية في بعض الحالات.

تاسعا: توصيات إصلاحية:

  1. تقنين الأدلة الرقمية صراحة في قانون الإجراءات.

  2. إخضاع البحث الجنائي لرقابة دورية من النيابة العامة.

  3. إلزامية تصوير جلسات سماع أقوال الشهود بالصوت والصورة.

  4. إنشاء هيئة علمية فنيةملحقة بالشرطة متخصصة في الأدلة الحديثة.

  5. توفير تدريب دوري لمأموري الضبط القضائي في العلوم الجنائية الرقمية.

ومن هنا نوصي الي أن:

البحث الجنائي يبقي رغم أهميتة سلاح ذو حدين: إن استُخدم بشفافية ونزاهة ومهنية؛ سوف يقود الي تحقيق العدالة، وإن أسيء استخدامه أو شابه تعسف أو قصور، يصبح أداة للظلم. لذا، فإن تطوير هذه المرحلة هو مفتاح إصلاح العدالة الجنائية في مصر، ويجب أن يترافق ذلك ضمانات دستوريٌة وقانونية حقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى