“أنس الشريف الحكاية التي لم تُدفن”

بقلم: ميرال المنصوري
في صباحٍ خانق من أغسطس، استيقظت غزة على نبأ رحيل صوتها الحر أنس الشريف، مراسل الجزيرة، الذي لم يكن مجرد ناقل خبر، بل كان الشاهد على جريمة مفتوحة منذ سنوات، والمقاتل بالكلمة والصورة حتى آخر نفس.
أنس لم يكن يبحث عن بطولة شخصية، بل كان يبحث عن الحقيقة تلك التي تُرعب المحتل أكثر من أي سلاح. حمل الكاميرا كمن يحمل قلبه، يتنقل بين أنقاض البيوت، بين صراخ الأمهات وبكاء الأطفال، وفي عينيه وعدٌ بأن لا تسقط الحكاية في النسيان.
بالأمس، لم يقتله القصف فقط بل حاول أن يقتل الحقيقة معه. استهدفت طائرات الاحتلال خيمة الصحفيين قرب مستشفى الشفاء، فسقط أنس ورفاقه محمد قريقع، إبراهيم ظاهر، محمد نوفل، ومؤمن عليوة، في مشهد يليق بوصف “مجزرة إعلامية” لا “حادث عرضي”.
إسرائيل تقول إنها “استهدفت خلية لحماس”لكن أي خلية ترتدي سترة الصحافة وتحمل الميكروفون بدل البندقية؟ أي منطق يبرر تحويل الكاميرا إلى تهمة؟
قبل ساعات من استشهاده، كتب أنس: “القصف لا يتوقف منذ ساعتين والعدوان يشتد على مدينة غزة”. كانت هذه كلماته الأخيرة لكنها لم تكن نهاية صوته. فالكلمات التي تخرج من قلب صاحب قضية، تبقى أصدق وأبقى من رصاص الغدر.
رحل أنس، لكن صورته وهو يركض نحو الحقيقة ستبقى تُطارد كل من أراد إخفاءها. رحل أنس، لكننا تعلمنا منه أن الصحافة ليست وظيفة، بل موقف، وأن الكاميرا قد تصبح في زمن الظلم أخطر من المدفع.
أنس الشريف سلامٌ لروحك، وخزيٌ لكل يد ضغطت على الزناد.
والحق سيظل حيًّا، حتى لو مات صاحبه.