د. أحمد شندي يكتب : حروب عقائدية

في عالم تتعدد فيه الأديان والمذاهب والأفكار، ظهرت عبر التاريخ العديد من الحروب التي لم تكن بسبب الأرض أو السلطة فقط، بل كانت نتيجة لصراعات عقائدية دينية وفكرية. تُعد الحروب العقائدية من أخطر أشكال النزاع لأنها لا تُخاض من أجل المصالح المادية فقط، بل من أجل ما يراه كل طرف “حقًا مطلقًا” لا يقبل التفاوض.
من أبرز هذه الحروب “الحروب الصليبية” التي دارت بين المسلمين والمسيحيين في العصور الوسطى، والحروب بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا، وحروب طائفية حديثة في بعض الدول العربية. تتغذى هذه الصراعات على فكرة “امتلاك الحقيقة”، مما يجعل التفاهم والحوار صعبًا، ويُحول الدين أو المذهب إلى أداة سياسية بيد الحكام أو القوى الخارجية.
تكمن خطورة الحروب العقائدية في قدرتها على تمزيق المجتمعات من الداخل، وبث الكراهية والفرقة بين أبناء الشعب الواحد. كما أنها تُستخدم أحيانًا غطاءً لصراعات سياسية أو اقتصادية، مما يُعمّق الأزمة ويطيل أمدها.
في مواجهة هذا النوع من الحروب، يُصبح تعزيز ثقافة التعايش، والاعتراف بالتنوع، وتأكيد قيم التسامح والحوار ضرورة لا غنى عنها لبناء مستقبل آمن ومستقر للجميع.
لا تقتصر الحروب العقائدية على صفحات التاريخ، بل ما زالت تتجدد اليوم بصور متعددة، أحيانًا تحت غطاء ديني مباشر، وأحيانًا تُدار بتوظيف الدين لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. الصراع في العصر الحديث اتخذ أشكالًا جديدة، لكنه ما زال يحمل جذورًا عقائدية عميقة.
1. الحروب ذات الطابع الطائفي والديني:
نشهد في العديد من الدول العربية والإسلامية، كالعراق وسوريا واليمن، صراعات تنقسم طائفيًا بين السنة والشيعة، وبين جماعات دينية متشددة ومذاهب أخرى. هذه الحروب تُغذى بخطاب الكراهية والتحريض المذهبي، وغالبًا ما تُستغل من قِبل قوى إقليمية ودولية لتعزيز النفوذ والسيطرة.
2. صراعات الهوية والدين:
في دول مثل ميانمار، عانى المسلمون الروهينغا من اضطهاد ديني ممنهج على يد السلطة ذات الأغلبية البوذية. وفي الهند، ظهرت توترات متكررة بين الهندوس والمسلمين، تُغذى أحيانًا بخطابات قومية متطرفة.
3. الاحتلال والمقاومة ذات البعد الديني:
القضية الفلسطينية مثال صارخ على صراع يتم تغليفه بخلفية دينية وعقائدية، حيث يتم تقديم الاحتلال الإسرائيلي على أنه تنفيذ لوعد ديني، بينما يتشبث الفلسطينيون بحقهم التاريخي والديني في الأرض والمقدسات.
4. الجماعات المتطرفة باسم الدين:
ظهور تنظيمات كـ”داعش” و”القاعدة” يُظهر كيف يُستخدم الدين كأداة لتبرير العنف، ونشر أفكار متشددة تُقسّم العالم إلى “مؤمنين وكفار”، ما يخلق حروبًا ضد الإنسانية باسم الجهاد، وهي في حقيقتها تخدم أجندات خارجية أو سلطة دينية سياسية.
خلاصة:
الحروب العقائدية الحالية لم تعد فقط صراعات دينية، بل هي حروب تتقاطع فيها العقيدة مع السياسة والاقتصاد. وهنا تصبح مسؤولية النخب الثقافية والدينية والسياسية كبيرة في تفكيك الخطاب المتطرف، وبناء خطاب جامع يعزز ثقافة الاختلاف والتعايش، بعيدًا عن استغلال الدين في الصراعات.
حفظ الله مصر شعبها ورئيسها وجيشها من كل سوء.