رؤية الصين للضربات الجوية العسكرية الإسرائيلية على إيران ومؤشرات الدعم الأمريكى لها

 

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

 

   أعلن الجيش الإسرائيلى بدء قصف عشرات الأهداف في أنحاء إيران، مدعياً إرتباطها بالبرنامج النووى الإيرانى مباشرةً ومنشآت عسكرية أخرى. وأطلق على العملية إسم “أمة الأسود”. وتمهيداً لذلك عقد رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” إجتماعاً لمجلس الوزراء الأمنى الإسرائيلى لتنسيق تلك الضربة العسكرية على إيران. وتأتى الضربة الإسرائيلية فى الوقت الذى كان مقرراً فيه أن يعقد المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون (جولة سادسة من المحادثات بشأن البرنامج النووى الإيرانى) فى العاصمة العمانية مسقط يوم الأحد الموافق ١٥ يونيو ٢٠٢٥، لكن المحادثات يبدو أنها دخلت طريقاً مسدوداً بعد الهجمات الإسرائيلية على طهران. وفى إعتقادى بأن إسرائيل قد إستغلت بيان الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر قبل ضربها إيران بيوم، وتحديداً يوم الخميس الموافق ١٢ يونيو ٢٠٢٥، بإصدار الوكالة قراراً يفيد بأن “إيران لا تلتزم بإلتزاماتها فى مجال عدم الإنتشار النووى”، وهو أول توبيخ من نوعه من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإيران. وبدورها، أدانت إيران القرار، وإعتبرته بأنه يضرب مصداقية وهيبة الوكالة. وهو ذاته البيان الذى إستندت إليه إسرائيل فى توجيه ضرباتها العسكرية لإيران بدعوى عدم إلتزامها بتفكيك برنامجها النووى ومنشآتها النووية والتسبب فى تأثير ذلك على الأمن القومى الإسرائيلى خشية من أى هجمات نووية إيرانية محتملة على تل أبيب.  

 

مع الوضع فى الإعتبار، بأنه جاء تأكيد عدداً من المسؤولين الإسرائيليين بأن الضربة على إيران كانت إستباقية، رغم عدم وجود مؤشرات فورية على أن إيران كانت تخطط لهجوم فعلى على إسرائيل. وهو ما أكده الجيش الإسرائيلى ذاته فى بيان، بأنه تصرف “رداً على العدوان المستمر للنظام الإيرانى ضد إسرائيل، وبأن هناك المزيد قادم”، واصفاً الهجوم الإسرائيلى على إيران، بأنه فقط يمثل “المرحلة الأولى”. ومن أجل ذلك، إستهدفت الضربات الإسرائيلية عناصر من البرنامج النووى الإيرانى وقدرات النظام الصاروخية بعيدة المدى. مع تأكيد وحدة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية، بأن إيران تعمل على برنامج سرى لتجميع سلاح نووى، ولديها ما يكفى من المواد لتجميع ١٥ قنبلة نووية خلال أيام، دون تقديم تفاصيل داعمة لذلك من قبل الجيش الإسرائيلى وإستخباراته العسكرية. مع وصف رئيس الوزراء الإسرائيلى “بنيامين نتنياهو” للبرنامج النووى الإيرانى، بأنه “خطر واضح ومباشر على بقاء إسرائيل”.    

 

أما عن الموقف الأمريكى من الهجوم العسكرى الإسرائيلى على إيران، فقد أتى عبر وزير الخارجية الأمريكى “ماركو روبيو”، والذى أعلن رفض الولايات المتحدة الأمريكية المشاركة فى الهجوم الإسرائيلى على طهران، وبأن إسرائيل أبلغت بالفعل الولايات المتحدة الأمريكية بأن الضربة العسكرية التى وجهتها إلى إيران كانت ضرورية للدفاع عن نفسها، محذراً الجمهورية الإسلامية الإيرانية من إستهداف المصالح الأمريكية فى المنطقة. وشدد وزير الخارجية الأمريكى “ماركو روبيو” عبر بيان رسمى، على عدم ضلوع واشنطن فى الهجوم على إيران، وبأن أولوية الولايات المتحدة الأمريكية الآن هى حماية قواتها فى المنطقة، مؤكداً نصاً: “نحن غير ضالعين فى ضربات ضد إيران وتتمثل أولويتنا المطلقة بحماية القوات الأمريكية فى المنطقة”.         

 

أما عن الموقف الصينى إزاء شن إسرائيل لهجمات عسكرية فى مواجهة إيران، فقد أدانت بكين وأعربت عن إستنكارها الشديد للإعتداءات الإسرائيلية السافرة تجاه إيران، والتى تمس السيادة الإيرانية وأمنها وتمثل إنتهاكاً ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية، وطالبت الصين فى هذا السياق المجتمع الدولى ومجلس الأمن الدولى بمسؤولية كبيرة تجاه وقف هذا العدوان الإسرائيلى السافر على طهران بشكل فورى. كما أدانت الصين كافة تلك الهجمات العسكرية التى شنها الجيش الإسرائيلى على إيران، والتى وجدتها بكين بأنها تمثل تصعيدًا إقليمياً سافراً بالغ الخطورة، وإنتهاكاً فاضحاً للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، وتهديداً مباشراً للأمن والسلم الإقليمى والدولى. حيث أن هذا الهجوم الإسرائيلى على إيران سيؤثر على حركة الملاحة البحرية والنقل البحرى واللوجستى عبر قناة السويس المصرية ومضيق باب المندب ويعطل حركة التجارة العالمية، ويضر بالمصالح الصينية فى منطقة الشرق الأوسط وحول العالم. ومن أجل ذلك دعت الخارجية الصينية الأطراف المعنية إلى التصرف بطرق تخدم السلام والإستقرار الإقليميين، مع إعراب الصين رسمياً عن إستعدادها للعب دور بناء فى تهدئة الوضع المشتعل فى المنطقة بعد هجوم تل أبيب على طهران.    

 

وهنا جاء التحليل الصينى على البيان الأمريكى الرافض لمشاركة واشنطن فى هجوم إسرائيل على إيران، بتوجيه إتهامات إيرانية مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية الحليفة لإسرائيل، بإعتبارها مسؤولة عن تبعات الضربات الإسرائيلية التى شنت على أهداف داخل طهران، مع تأكيد الصينيين أنفسهم، بأن الخطوات العدائية لإسرائيل فى مواجهة إيران، لا يمكن أن تكون قد نفذت من دون تنسيق وإذن مباشر ودعم من الولايات المتحدة الأمريكية، مع إلقاء الصين المسئولية على واشنطن عن التأثير الخطر وتداعيات مغامرات تل أبيب العسكرية على إيران.

 

كما تستند تحليلات الصينيين لتنسيق تلك أبيب تلك الضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران مع واشنطن، بوجود مؤشر قوى لذلك، يتمثل فى قيام الولايات المتحدة الأمريكية بسحب دبلوماسييها من العراق وعدة مناطق متفرقة من الشرق الأوسط إستعداداً لتصعيد إقليمى، وتحديداً قبل شن إسرائيل لهجماتها على إيران فى يوم الأربعاء الموافق ١١ يونيو ٢٠٢٥، مع سماح واشنطن بمغادرة عائلات الجنود الأمريكيين من مناطق أخرى فى الشرق الأوسط. مما يدعم وجهة النظر الصينية بتنسيق واشنطن لتلك الهجمات الإسرائيلية فى مواجهة إيران وإستعدادتها لكافة السيناريوهات المحتملة لذلك قبلها بأيام.     

 

كما برزت عدة مؤشرات فعلية للصينيين بتنسيق إسرائيل لمواقفها مع واشنطن بشأن توجيه ضربات عسكرية لإيران قبل عدة أشهر بالفعل، منها ما حدث وحللته الدوائر السياسية والإستخباراتية والأمنية الصينية، من إعادة التموضع والإنتشار العسكرى الأمريكى قبيل ضرب إيران بعدة أشهر، وتحديداً فى (قاعدة ديغو غارسيا العسكرية الأمريكية وسط المحيط الهندى)، وهى قاعدة مشتركة بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث نظرت الدوائر العسكرية والأمنية الصينية بعين الشك حينئذ لإرسال الولايات المتحدة الأمريكية لسبع مقاتلات من طراز (بى ٢) إلى مطارها، وهو ما حللته الدوائر العسكرية والأمنية والإستخباراتية الصينية بقرب توجيه الجيش الأمريكى لضربة عسكرية لإيران، وهو ما قد ينذر بالنسبة للصينيين، بإنهيار وسقوط محتمل للنظام الإيرانى فى حال توجيه ضربات مكثفة أمريكية وعسكرية له.   

 

كما تربط الصين بين حرب غزة الأخيرة والضربات العسكرية الإسرائيلية على إيران، بعدما تأكد رفض مصر القاطع والقيادة السياسية المصرية للرئيس “عبد الفتاح السيسى” لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ورصد تحركات غير عادية لأسلحة الجيش المصرى بسيناء، ومن أجل ذلك تسعى إسرائيل لتصفية حساباتها الإقليمية، بعد ما إتضحت لها نوايا بعض دول الإقليم فى مواجهة ملف التهجير القسرى للفلسطينيين من قطاع غزة.

 

وتتخوف الصين من أى إحتمالات لسقوط النظام الإيرانى بعد هجمات تل أبيب عليها بمساعدة وتشجيع ودعم واشنطن، إذ سيترتب عن سقوط النظام الإيرانى، إحتمال كبير بقيام (دولة كردستان)، والتى تضم أراضيها حدوداً طويلة بين كل من (سوريا وإيران والعراق وتركيا)، وهو ما سيتمخض عنه مساحة كبيرة من الفوضى، بعد خوض تل أبيب حروباً على عدة جبهات، وهو ما يخشاه الصينيون أنفسهم، بتخطيط واشنطن وتل أبيب من وراء توجيه تلك الهجمات العسكرية على طهران، بالعمل على تقسيم إيران إلى عدة دويلات تتوزع على عرقياتها المتعددة والمختلفة، مما سيحدث فراغاً سياسياً بالعراق وسوريا وأيضاً تركيا، خاصةً فى ظل حالة عدم الإستقرار السياسى والأمنى الذى تعيشه تركيا فى الوقت الحالى وتزايد حدة السخط الشعبى ومن قوى المعارضة على الرئيس التركى “أردوغان” وتوتر علاقته بالعديد من مؤسسات الدولة التركية والقوى السياسية حتى إنتظار نتائج الإنتخابات التركية فى عام ٢٠٢٨.                

 

كما تربط الصين بين توجيه إسرائيل لضربات عسكرية على إيران فى الوقت الراهن ، وبين طريق التجارة الجديد من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل إلى الهند ثم أوروبا عبر (ميناء بن جوريون الإسرائيلى) وهو المشروع الذى تم الإتفاق عليها فى قمة مجموعة السبعة الإقتصادية الكبرى فى نيودلهى عام ٢٠٢٣، ويضرب مسار طريق الحزام والطريق الصينى ومبادرة الحرير الجديد للصين، ويلغى أهمية قناة السويس المصرية، عبر تبادل الأدوار بين نيودلهى و تل أبيب، وسيجعل من تل أبيب، وهى دولة إحتلال بالأساس هى المتحكمة الرئيسية فى طرق الملاحة البحرية والنقل البحرى واللوجستى عالمياً عبر ميناء بن جوريون العبرى، وهو ما سيعمل لاحقاً على تخريب (حلف أو تحالف وتجمع البريكس) بزعامة الصين وروسيا من داخله، مما سيعطى دفعة قوية للإقتصاد الهندى ليتجاوز الإقتصاد الصينى، ويمنع الصين فى الوقت ذاته من تجاوز زعامة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم. وهو ما تتحسب له الصين وتتخوف منه بعد إتخاذ خطوات عملية لتحقيقه على أرض الواقع بعد الهجمات العسكرية الإسرائيلية الفعلية على طهران بمساعدة ودعم واشنطن، رغم النفى الأمريكى لذلك.          

 

 وبناءً على التحليل السابق، جاء دعم الصين لوجهة النظر الإيرانية فى هذا السياق، بممارسة طهران لحقها القانونى والمشروع فى الرد على الضربات الإسرائيلية، لأن الرد على هذا العدوان الإسرائيلى على السيادة الوطنية الإيرانية، لهو الحق القانونى والمشروع لإيران فى الدفاع عن نفسها ضد أى هجوم أو إنتهاك لسيادة أراضيها، بناء على (البند ٥١) من ميثاق الأمم المتحدة، مع دعم الصين الكامل فى الدفاع عن إيران بكامل قدراتها فى مواجهة إنتهاك سيادتها الوطنية.       

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى