علاج جديد لسرطان الغدد الليمفاوية يحافظ على الخصوبة

كشفت دراسة دولية حديثة أن المصابين صغار السن بسرطان الغدد الليمفاوية من نوع هودجكين المتقدم؛ باتت لديهم فرصة أفضل في الحفاظ على خصوبتهم وإنجاب أطفال بعد التعافي من المرض، وذلك بفضل بروتوكول علاج كيميائي جديد يُعرف باسم BrECADD.
ويتكون البروتوكول العلاجي الجديد BrECADD من مجموعة أدوية مضادة للسرطان، لكن من أبرز ما يميّزه هو أنه يستبدل بعض الأدوية القديمة الشديدة السمية بأدوية أحدث وأقل ضرراً على الرئتين والهرمونات التناسلية.
وأظهرت الدراسة أن المرضى الذين عولجوا بهذا النظام لديهم فرص أعلى في استعادة وظائف الإنجاب بعد الشفاء، خصوصاً الرجال، وكل ذلك دون أن يقل تأثير العلاج في القضاء على السرطان.
سرطان الغدد الليمفاوية
لطالما كان سرطان الغدد الليمفاوية المعروف باسم “هودجكين” الكلاسيكي يصيب عادة الشباب في مقتبل العمر، وكانت العلاجات المكثفة، رغم فعاليتها العالية في القضاء على المرض، تحمل معها خطراً كبيراً للإصابة بالعقم الدائم أو ضعف الخصوبة، وقد أثر ذلك بشكل كبير على جودة حياة الناجين ورغبتهم في الإنجاب.
أُجري التحليل الثانوي ضمن تجربة HD21 السريرية، التي شملت 233 مركزاً في تسع دول، وقارنت بين نظامي eBEACOPP، و BrECADD للمرضى الذين تم تشخيصهم حديثاً بسرطان الغدد الليمفاوية “هودجكين” الكلاسيكي المتقدم.
يُعد نظاما eBEACOPP، وBrECADD من أهم أنظمة العلاج الكيميائي المستخدمة لعلاج الحالات المتقدمة من سرطان الغدد اللمفاوية من نوع هودجكين، لكن بينهما فروق جوهرية تؤثر بشكل مباشر على حياة المريض بعد العلاج، خصوصاً في ما يتعلق بالخصوبة والآثار الجانبية.
فالنظام التقليدي eBEACOPP يُعتبر فعالاً جداً في السيطرة على المرض، لكنه يتكوّن من مجموعة أدوية قوية وسامة، من بينها دواء يُعرف بتأثيره الشديد على الخصوبة يُسمى “بروكاربازين”، والذي يمكن أن يسبب أضراراً دائمة للغدد التناسلية، خاصة عند الرجال، كما أن هذا النظام يحتوي على دواء آخر يُعرف بتأثيره السلبي على الرئتين، ما يزيد من احتمالية حدوث مضاعفات صحية طويلة الأمد.
طوّر باحثون من جامعة كامبريدج علاجاً جديداً مزدوجاً قد يفتح باب الأمل أمام مرضى ابيضاض الدم الليمفاوي الحاد من نوع B-ALL، أكثر أنواع السرطان شيوعاً لدى الأطفال.
في المقابل، يأتي النظام الجديد BrECADD كمحاولة لتقليل هذه الأضرار دون التأثير على فعالية العلاج، إذ تم استبدال الأدوية الأشد سمّية بأدوية أقل ضرراً، مثل استبدال “بروكاربازين” بـ”داكاربازين”، وهو دواء له فعالية ضد السرطان لكن تأثيره على الخصوبة أقل بكثير.
كما يعتمد BrECADD على دواء موجّه حديث يساعد في استهداف الخلايا السرطانية بدقة، ما يقلل من الأثر السلبي على باقي أنسجة الجسم.
وتقول نتائج الدراسة المنشورة في دورية “لانسيت أونكولوجي” إن معدلات استعادة وظيفة المبيض عند النساء بعد 4 سنوات من العلاج بـBrECADD بلغت نسبة مذهلة تُقدر بـ95.3%، مقارنة بـ73.3% فقط في مجموعة eBEACOPP.
وبالنسبة للرجال، كانت الفروقات أكثر وضوحاً، حيث سجلت مجموعة BrECADD معدل استعادة لوظيفة الغدد التناسلية بنسبة 85.6% بعد 4 سنوات، مقابل 39.7% فقط في مجموعة eBEACOPP.
سرطان الغدد اللمفاوية
نوع من أنواع السرطان يصيب الجهاز اللمفاوي، وهو جزء من جهاز المناعة المسؤول عن مكافحة العدوى.
يتسم بوجود خلايا غير طبيعية تُعرف باسم “خلايا ريد-ستيرنبرج”، وهي علامة مميزة لهذا النوع من السرطان.
يبدأ غالباً في العقد اللمفاوية، مثل الموجودة في الرقبة أو تحت الإبط أو في الصدر، وقد ينتشر تدريجياً إلى أجزاء أخرى من الجسم.
يصيب عادةً الشباب بين سن 15 و35 عاماً، لكنه قد يصيب كبار السن أيضاً.
من أعراضه الشائعة تضخُّم غير مؤلم في العقد اللمفاوية، وتعرّق ليلي شديد، وفقدان الوزن بدون سبب، والحمى المتكررة، والحكة المزعجة، والتعب العام.
يُعتبر من الأنواع القابلة للشفاء بنسبة عالية، خاصة عند اكتشافه مبكراً وبدء العلاج المناسب.
يُعالج عادةً باستخدام العلاج الكيميائي وأحياناً بالعلاج الإشعاعي.
شارك
هرمونات الخصوبة
كانت مستويات الهرمونات الدالة على الخصوبة، مثل هرمون AMH لدى النساء وهرمون Inhibin B لدى الرجال، أعلى بشكل عام في المجموعة التي تلقت علاج BrECADD.
لم تقتصر الفوائد على استعادة وظائف الغدد التناسلية فحسب، بل امتدت إلى النتائج الفعلية المتعلقة بالإنجاب؛ فبعد 5 سنوات من العلاج، كانت معدلات الأبوة، إنجاب طفل واحد على الأقل، أعلى بكثير في الرجال الذين تلقوا علاج BrECADD (9.3%)، مقارنة بمن تلقوا eBEACOPP (3.3%)، مما يؤكد التأثير الإيجابي على خصوبة الذكور.
بينما كانت معدلات الأمومة أعلى في مجموعة BrECADD (19.3%) مقارنة بـeBEACOPP (17.1%)، لم يكن الفرق ذو دلالة إحصائية كبيرة في النساء، ولكن الفارق لا يزال يوحي بوجود اتجاه إيجابي.
بشكل عام، تم الإبلاغ عن 92 حالة حمل بين المريضات، و36 حالة حمل بين شريكات المرضى الذكور، وأدت هذه الحالات إلى 108 ولادات، 59 منها في مجموعة BrECADD و40 في مجموعة eBEACOPP.
يُعزى التحسن اللافت في الحفاظ على الخصوبة بعد علاج هودجكين إلى تعديل مهم في تركيبة العلاج الجديد BrECADD، إذ تم استبدال عقار “بروكاربازين” المعروف بتأثيره الضار والدائم على الغدد التناسلية، بعقار “داكاربازين” الذي يتمتع بفعالية مماثلة ضد الخلايا السرطانية، لكن بسمّية أقل على الجهاز التناسلي.
وجاء التغيير كجزء من استراتيجية تهدف إلى تقليل الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، دون المساومة على قدرته في السيطرة على الورم.
article image
اقرأ أيضاً
دراسة تكشف: خلايا “الزومبي” قد تساعد في علاج السرطان
كشف باحثون من جامعة جونز هوبكنز الأميركية، عن وجود 3 أنواع فرعية متميزة من خلايا الجلد “الزومبية”، وهي الخلايا التي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة لكنها لا تموت.
وتشير نتائج الدراسة إلى أن BrECADD يُحقق فعالية علاجية عالية، مع تقليل واضح لمخاطر تلف الخصوبة، خصوصاً لدى المرضى الشباب الذين يرغبون في الإنجاب مستقبلاً.
وتُعد هذه الدراسة أول تحليل مفصل يُظهر كيف يمكن للعلاج الجديد أن يحافظ على وظيفة الغدد التناسلية، مقارنةً بالبروتوكول القياسي السابق، ما يعزز مكانة BrECADD كخيار علاجي متقدم ومراعٍ لجودة الحياة بعد الشفاء.
وتؤكد هذه النتائج أهمية توفير نظام BrECADD كخط علاج أول لسرطان الغدد الليمفاوية “هودجكين” الكلاسيكي المتقدم، خصوصاً للمرضى الذين يخططون للإنجاب، كما تسلط الضوء على ضرورة الاستمرار في تقييم وظائف الغدد التناسلية في التجارب السريرية للعلاجات الجديدة للسرطان، لتقديم صورة شاملة عن الآثار طويلة المدى على جودة حياة المرضى.
ويقول الباحثون إنه وبفضل هذه الدراسة، أصبح لدى الأطباء والمرضى خيار علاجي أكثر أماناً وفعالية، يجمع بين القضاء على المرض والحفاظ على حلم الأبوة والأمومة.