منصة مدرستي تواصل التألق عالميا

د. شريف بن محمد الأتربي
لم يكن القائمين على منصة مدرستي في بدايتها عام 2019- كأول منتج تعليمي رقمي سعودي المصدر البرمجي-؛ يتخيلون أن هذه المنصة ستصبح خلال سنوات قليلة جدا هي الأبرز على مستوى العالم، وأنها تستطيع وبجهود سعودية خالصة أن تجعل الميدان التعليمي في العالم أجمع يقف لها إنحناءا واحتراما وتقديرا لما قدمته، وما تقدمه، وما ستقدمه للراغبين في الحصول على خدمة تعليمية مميزة، ومتطورة، وتلبي احتياجات كافة المجتمع التعليمي.
في عام 2019م كنت واحدا من الذين طُلب منهم تقييم هذا الوليد الجديد في عالم منصات التعليم، وذلك من خلال فريق العمل في شركة تطوير لتقنيات التعليم، وهي واحدة من الشركات الحكومية التي ظهرت في عالم شركات تقنيات التعليم، لتكون بعد هذه السنوات واحدة من قادته، وتحت مظلة شركة تطوير التعليم القابضة. كان هذا الوليد غريبا بعض الشيء، فهو يختلف كليا عن أي منصة تعاملنا معها خلال تنفيذ مشروع بوابة المستقبل، فهي وإن بدت وليدة إلا أنها كانت يافعة وكبيرة بما وفرته من أدوات وإمكانات لجميع عناصر المجتمع التعليمي، حتى المصادر التعليمية من الكتب وغيرها، كانت فرحة بهذا المولود الجديد الذي سيساعدها على ان تكون أكثر بساطة، وأكثر نفعا، وأكثر تفاعلا مع أصدقاءه من الطلبة.
اجتمع الفريق وبدأ العام الدراسي وكانت مدرستي تمشي على استحياء مقارنة بشقيقتها بوابة المستقبل، وما أن قارب العام الدراسي على الانتهاء، إلا ويجتاح العالم وباء كوفيد19، لتجد وزارة التعليم نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما، أولهما مر، وهو إيقاف العملية التعليمية لحين عودة الحياة إلى طبيعتها، وثانيهما تحدي كبير جدا ما سبقه أحد من قبل على مستوى العالم؛ إلا وهو الاعتماد على منصة مدرستي الوليدة وتحويل كافة طلاب المملكة في التعليم العام إلى تعليم عن بعد.
شمر العاملين في شركات تطوير سواعدهم، وقبلوا التحدي وانطلقوا في مغامرة غير محسوب عواقبها، مغامرة يراقبها أولياء الأمر قادتنا بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان- حفظهم الله- حيث التحول الرقمي في التعليم هو واحد من أهداف الرؤية، ولكننا لازلنا في 2020، وإذا بهؤلاء الأبطال المقاتلين، يحققون المستحيل، وبفضل الله ثم بفضل جهود هؤلاء الرجال، وتوجيهات معالي الوزير؛ تم التغلب على التحدي وتجاوز كل العقبات، ليتلقى أكثر من 6 مليون طالب وطالبة، يدعمهم أكثر من نصف مليون معلم ومعلمة تعليمهم عبر منصة مدرستي وهم جالسون في منازلهم وبكل أريحية وحب وشغف، لتحصل المنصة جراء ذلك على إشادات عالمية من كافة الجهات الدولية كونها المنصة الوحيدة في العالم التي حققت هذا الإنجاز.
تعد إشادة البنك الدولي من أبرز الإشادات التي حصلت عليها المنصة، ففي تقرير للبنك عن نموذج المدرسة الرقمية، أشاد بمنصة مدرستي كنموذج للمدرسة الرقمية والذي أطلقته وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية، وذلك لتوظيفها الحلول التقنية وتوفير الموارد والأدوات الرقمية لدعم العملية التعليمية عن بعد.
كما أشادت منظمة “ساعة برمجة” باستمرار المملكة في الحفاظ على مراتب متقدمة في مجال البرمجة والتقنية، ويعزى ذلك جزئياً إلى الدور الذي لعبته منصة مدرستي في تعزيز الوعي الرقمي لدى الطلاب، وقد كان لي شرف المشاركة في هذا المشروع كمستشار تعليمي له.
كما أظهرت دراسات مقارنة أن منصة مدرستي تفوقت على العديد من المنصات التعليمية العالمية المماثلة، حيث تميزت بنسبة دخول عالية (98%) وأكثر من 6 ملايين مستخدم، مما جعلها نموذجًا رائدًا في إدارة التعليم الإلكتروني.
لقد ساهمت منصة مدرستي في تعزيز التحول الرقمي في قطاع التعليم بالمملكة من خلال توفير بيئة تعليمية تفاعلية، وتضمينها لمحتوى تعليمي متنوع، وتدريب الطلاب على المهارات الرقمية، كما أنها تعد نموذج عالمي في إدارة التعليم عن بعد، حيث استطاعت أن تقدم دروسًا متزامنة وغير متزامنة، وتوفر أدوات رقمية متنوعة لدعم العملية التعليمية، بالإضافة إلى توفير محتوى تعليمي غني بالمعرفة والمهارات.
بعد انحسار الوباء استمرت منصة مدرستي في تقديم خدماتها المتنوعة للمتعلمين والمعلمين، مما يعكس دورها في دعم التعليم المستمر. لم تكتف المنصة بتحقيق الأهداف التعليمية للمناهج والمقررات، وتعزيز المهارات والقيم والمعارف للطلاب والطالبات، لتلبية متطلبات العصر الرقمي؛ بل ساهمت في بناء شخصية طالب القرن 21، من خلال إكساب الطلبة المعارف والمهارات اللازمة لذلك.
مدرستي، لم تكن فقط منصة جوفاء، ولم يكن هدفها أن يفر الطالب هربا من التعليم، بل كان هدفها أن تجذب الطالب للتعليم بطريقة جذابة، طريقة تناسب احتياجاته الشخصية وتفرده عن غيره من الطلبة من خلال تقديم محتوى تعليمي متنوع، مثل دروس الفيديو، والتمارين التفاعلية، والاختبارات، فاستطاعت بذلك أن تكون بديلاً فعّالًا عن الصفوف الدراسية التقليدية.
لقد كانت ميزة التفاعل بين الطلاب والمعلمين أحد أهم الجوانب التي تميز منصة مدرستي، حيث وفرت المنصة أدوات تفاعلية تتيح للطلبة التواصل مع معلميهم، مما ساعدهم على طرح الأسئلة والحصول على الدعم في الوقت الحقيقي، مما أسهم في تعزيز الفهم وتقديم المساعدة للطلاب الذين قد يواجهون صعوبات في التعلم..
كان أوليا الأمور قبل مدرستي في شبه معزل عن تتبع رحلة أبناؤهم التعليمية، لتأتي مدرستي وتكسر هذا الحاجز الوهمي بين البيت والمدرسة، دعامة لأولياء الأمور لمتابعة مستوى أبنائهم والمشاركة بنشاط في العملية التعليمية. هذه الخطوات ساهمت في تعزيز التعاون بين المدارس وأولياء الأمور، مما أدى إلى نتائج إيجابية في التحصيل التعليمي.
ويشاء العزيز القدير أن تتوج منصة مدرستي في تاريخ 7 يوليو 2025 بجائزة أفضل منصة تعليمية من خلال القمة العالمية لمجتمع المعلومات، (WSIS)، وهي حدث دولي يهدف إلى تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتعزيز بناء مجتمع معلومات شامل ومستدام.
لقد تم تنظيم القمة لأول مرة في عام 2003 في جنيف، سويسرا، برعاية الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) ومنظمة الأمم المتحدة، حيث تهدف القمة إلى تعزيز الوصول إلى المعلومات والتكنولوجيا، وتطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات لتحسين جودة الحياة، وخلق بيئة قانونية وسياسية تدعم الابتكار والنمو. تركز القمة على مجموعة متنوعة من المواضيع، تشمل تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، التعليم والمهارات الرقمية، حماية الخصوصية والمعلومات، وتعزيز الشمولية الرقمية.
وبعد مراحل طويلة من التنافس الشريف مع العديد من المشاريع المماثلة من شتى بقاع العالم، جاء وقت إعلان النتيجة، وبكل فخر تتسيد منصة مدرستي السعودية كافة منصات التعليم الإلكتروني في العالم محققة إنجازا عالميا يضاف إلى كافة الإنجازات السعودية التي لا تتوقف لحظة، وكيف تتوقف وقائدنا سلمان، وولي عهده وعضده أبو سلمان هم الداعمون لنا في كل محفل وكل مكان.
عاش الملك للعلم والوطن.