حماس بين مطرقة العزلة وسندان التراجع الأمريكي: لا مخرج في الأفق

كتبت يارا المصري
حماس في مأزق حقيقي. في الوقت الذي تستمر فيه غزة في الغرق داخل أزمة إنسانية حادة، ومع تصاعد التوتر الأمني، تتضح صورة مقلقة: الشعب الغزّي يفقد الثقة في قيادته، وحماس تعاني من انقسامات داخلية، والولايات المتحدة التي يُفترض أنها تدفع نحو حل، قد تتخلى عنهم في لحظة الحقيقة.
بشكل مفاجئ ولكن مفهوم، تتزايد في غزة الأصوات التي ترى في فترة ترامب مرحلة “على الأقل كانت الأمور تتحرك”. كثير من السكان، الذين يعيشون الآن حالة من الفقر وانعدام الأمن وفقدان الأمل، يتطلعون إلى ضغط أمريكي واضح قد يؤدي إلى إنهاء القتال. ترامب، في نظر البعض، يمثل شخصية قوية قد تُجبر حماس والعالم على اتخاذ قرارات، حتى وإن كان ذلك من منطلق مصالح أمريكية.
الإدارة الأمريكية الحالية ترغب في إنهاء الحرب في غزة، لكنها ليست مستعدة لدفع أي ثمن مقابل ذلك. فمنذ صفقة تبادل الأسرى الأخيرة، التي أُطلق فيها سراح عِدان ألكسندر، لم يتغير شيء فعلي. لم تستخلص حماس العبر، ولم تستجب لمقترحات معتدلة، واستمرت في اتباع سياسة المواجهة. في الواقع، ومنذ تلك الصفقة، تبيّن أنه لم يحدث أي تغيير جوهري لا في أوضاع السكان في غزة ولا في استعداد حماس للاستجابة للتحركات السياسية. بالنسبة للأمريكيين، هذه خيبة أمل.
أحد أبرز الإشكاليات يتمثل في الانقسام المتعمق بين قيادة حماس في الخارج (في الدوحة وإسطنبول وبيروت) وبين القيادة في الداخل. ففي حين يفرض يحيى السنوار نهجًا أيديولوجيًا متشددًا، تسعى القيادة الخارجية للحفاظ على علاقات دولية وتحاول إظهار مرونة أمام الوسطاء. هذا التناقض يولّد فوضى سياسية، ويحوّل كل محاولة للتفاوض إلى لعبة مزدوجة من قبل حماس أمام الأطراف الإقليمية والدولية.
في الوقت ذاته، يواصل الجيش الإسرائيلي عملياته البرية بكامل قوته. إسرائيل لا تنوي وقف القتال حتى في حال التوصل إلى اتفاق مرحلي. تعتمد استراتيجيتها على استنزاف بُنى حماس التحتية تدريجيًا حتى تنهار سيطرتها فعليًا. وطالما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل يتضمن إنهاء سيطرة حماس، ستواصل إسرائيل عملياتها.
الطرح الذي قاده دان فيتكوف بدعم أمريكي وأوروبي لا يُتوقع أن يصمد طويلًا. فمع تصاعد المعارضة داخل حماس لهذا الطرح، واستمرار التوغل الإسرائيلي، والرغبة الأمريكية في رؤية تغيير جذري، يبدو أن هذا المسار يواجه طريقًا مسدودًا. وحتى إن تم التوصل إلى تهدئة مؤقتة، فإنها لن تدوم من دون حل فعلي لمسألة سيطرة حماس.
تبدو حماس اليوم وكأنها محاصرة من كل الجهات. الدعم الإقليمي تراجع، إيران منشغلة بجبهات أخرى، قطر ترسل إشارات تباعد، ومصر فقدت الثقة. حماس بقيت وحيدة، وحتى الوسطاء الأمريكيون يدركون ذلك. الدليل الأوضح على ذلك هو بدء حماس في إظهار استعداد للحوار المباشر مع الأمريكيين، بعيدًا عن وسطاء. هذه ليست استراتيجية، بل حالة يأس.
ورغم ذلك، لا تزال حماس تراهن أو تحاول أن تُظهر أنها تراهن على أن واشنطن ستنقذها في اللحظة الأخيرة. لكن التاريخ السياسي يُثبت عكس ذلك: الولايات المتحدة لا تنقذ الحركات التي يعتبرها الغرب غير شرعية. وإذا عاد ترامب إلى الحكم، فإن الأمر سيكون أوضح: سيتصرف وفق مصالحه فقط. حماس، في لحظة الحقيقة، لن تكون ضمن حساباته. سيُلقي بها للكلاب دون تردد.
الرسالة التي تتعزز من كل الاتجاهات هي أن غزة لن تخرج من أزمتها طالما أن حماس تبقى في السلطة. طالما أن قيادة مسلّحة، منقسمة ومعزولة، تفرض سياسة المواجهة، فإن الشعب الفلسطيني في غزة سيستمر في دفع الثمن. السكان باتوا يدركون ذلك، والعالم بدأ يدركه أيضًا. وإن لم تختر حماس التغيير، فسيأتي من يفرضه عليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى