الساكت عن الحق شيطان اخرس

دينا كرم الدين
ما كنت يومًا ممن يتقنون التزيين ..أنا أتكلم حين يستدعي الحق الكلام… لا أُمنِّي النفس بالتنظير.. ولا أقف في صف المنتقدين لمجرد إثبات الرأي ..لكني أتكلم الآن لأن الصمت في وقت التحذير خيانة لأن التاريخ لا يرحم …من فرط في الكلمة ولا يسامح من استهان بثقة الناس في صوت ظنوه ثابتًا…المسألة ليست في الموارد …ولا في الأدوات …بل في المنهج في احترام القول ..وفي وزن القرار ..فالرجوع المتكرر عن الكلام لا يسمى مرونة.. بل يسمى تردداً مزمنًا ..والكبرياء حين يحجب الرد لا يعد كرامة بل تعالي اجوف لا مكان له في دوائر المسؤولية.. ومن يظن أن التجاهل صمت نبيل …فليعلم أن الرسائل المهملة أبلغ من الكلام.. وأن الرد ليس مجاملة بل ميثاق أخلاقي لا يسقط بالتقادم
كل خطوة مرتعشة ..وكل قرار متراجع ..وكل وعد غير مكتمل …يخصم من رصيد الزمن.. ويقرب المسافة نحو انهيار .لا يُدركه إلا من وعى مبكرًا فالحائط لا ينهار من ضربة واحدة.بل من تشققات صغيرة تغافلنا عنها
وإن إساءة السمعة لا تأتي دومًا من خصمٍ ذكي أو عدو شرس بل من أفعال متخبطة ..من قرارات غير موزونة ..من ردود غائبة.. من تعالٍ لا مبرر له ..فالشفافية ليست تفضلاً بل واجب .والأسلوب الملتوي ليس دهاءً بل انحدار…و التبرير الدائم ليس حكمة بل عذر أقبح من ذنب من يتعلل بعدم الفهم لا يستحق التمكين ومن يعطل الآخرين لأسباب شخصية أو نفسية لن يفلح مهما زين فعله بالمصلحة العامة
قد تخسر كل شيء حين تختار الصدق …ولكنك تكسب نفسك وتكسب ضميرك …وتكسب احترام التاريخ ..وتكسب نورًا لا ينطفئ …من يعرف أنه أدى ما عليه حتى وإن خسر فهو في عين الله رابح ..وفي عيون الناس بوصلة لطريقهم القادم …وفي قلب الحق شاهد على زمن كثر فيه الصمت وقل فيه النبلاء
لا تندم إن وقفت وحدك على جانب الحقيقة ما دمت لم تخن ضوءك وما دمت لم تكن صدى لمتردد أو بوقا لسلطة مرتبكة. أو شريكًا في مؤامرة صامتة فالضوء لا يُطفأ حتى وإن خسر كل شيء من حوله والله لا يُضيع أجر من أحسن عملا ..ولا تخف وإن تبدل كل شيء من حولك لا تظن أن النور الذي بداخلك قد خلق ليخفت
هو باقٍ ما بقي الإخلاص ..هو شاهد على كل مرة وقفت فيها بثبات في زمن الانحناءا وهو العهد الذي قطعته مع نفسك أن تكون كما أنت لا تزيف ولا تنافق ولا تُساوم على ما تراه حقًا
فامشى بثقل الصدق ولو كانت الأرض كلها تخجل من الحقيقة
ولا تغير نغمتك لترضي من باعوا أنفسهم للصدى. فكن كما أرادك الله صادقًا. نظيفًا. ثابتًا. في زمن يُكافئ الخداع ويَخذل النبلاء