مصر وفرنسا… شراكة استراتيجية في توقيت استثنائي

بقلم: نهلة سليم

جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر، الرابعة من نوعها، لتؤكد أن العلاقات المصرية الفرنسية ليست فقط علاقات صداقة تاريخية، بل هي شراكة استراتيجية متكاملة تتجدد وتتعمق في كل محطة. الزيارة، التي اتسمت بزخم سياسي واقتصادي وثقافي، خلّفت العديد من النتائج المهمة، أبرزها الإعلان المشترك لرفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة.

استثمارات فرنسية بأربعة مليارات يورو

أعلنت الوكالة الفرنسية للتنمية عن استثمارات في مصر تصل إلى 4 مليارات يورو، مما يجعل فرنسا – باستثناء قطاع المحروقات – المستثمر الأوروبي الأول في مصر. وتأتي هذه الخطوة في إطار دعم باريس للإصلاحات الاقتصادية المصرية وتعزيز التعاون في مجالات النقل والطاقة والبنية التحتية والتعليم والصحة.

جولة ثقافية وتاريخية تعكس عمق العلاقات

في دلالة على احترام فرنسا للتاريخ والحضارة المصرية، رافق الرئيس عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي في جولة مميزة داخل منطقة خان الخليلي، كما زارا معًا المتحف المصري الكبير الذي يُرتقب افتتاحه رسميًا في يوليو المقبل. وتُعد الزيارة تأكيدًا على التعاون الثقافي الممتد بين البلدين، لاسيما في مجالات الآثار والترميم.

خطاب تاريخي في جامعة القاهرة

وفي محطة لافتة، ألقى الرئيس ماكرون خطابًا مؤثرًا من جامعة القاهرة، تحدث فيه عن أهمية العلوم والتعليم والثقافة كجسور للتفاهم بين الشعوب، وأشاد بالتعاون العلمي بين الجامعات المصرية والفرنسية، مؤكدًا أن المعرفة هي القاعدة الأساسية لعلاقات استراتيجية حقيقية بين الأمم.

إشادة بمترو الأنفاق: فرنسا كانت الداعم الأكبر

أثناء جولته مع الرئيس السيسي في مترو الأنفاق بالقاهرة، أبدى ماكرون إعجابه بالمشروع، مشيرًا إلى أن فرنسا كانت من أكبر الداعمين لتمويله وتطويره. وتُعد هذه الإشادة تأكيدًا على أهمية الدعم الفرنسي لقطاع النقل العام في مصر، الذي يندرج ضمن مشاريع التنمية المستدامة المدعومة أوروبيًا.

زيارة العريش ورسائل سياسية واضحة

زيارة ماكرون تضمنت أيضًا محطة حساسة ومهمة، تمثلت في التوجه إلى مدينة العريش، الواقعة على بُعد نحو 50 كيلومتراً من قطاع غزة، لتسليط الضوء على الدور المصري في إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. كما التقى هناك بعدد من ممثلي المنظمات غير الحكومية الدولية، وعناصر من بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود، ما يعكس دعم فرنسا للدور المصري في إدارة الأزمة الإنسانية في غزة.

موقف فرنسي حاسم من مقترحات التهجير

تأتي زيارة ماكرون بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقترحات بتهجير الفلسطينيين من غزة، وهو ما رفضته فرنسا صراحة، حيث أجرى ماكرون اتصالًا مباشرًا بالرئيس الأمريكي خلال قمة ثلاثية جمعته بالرئيس السيسي والملك عبد الله الثاني لبحث تطورات الوضع في غزة، مؤكدًا موقف باريس الرافض للتهجير وأي حلول تتعارض مع القانون الدولي.

تزامن مع وقفة شعبية في العريش

بالتزامن مع الزيارة، شهدت مدينة العريش وقفة احتجاجية دعت إليها قوى حزبية وسياسية تحت عنوان: “لا لتهجير أهل غزة”، في تأكيد شعبي على دعم الموقف المصري الرافض لتحويل سيناء إلى بديل عن قطاع غزة، وتجديد التمسك بالثوابت الوطنية.

زيارة تتجاوز البروتوكول إلى بناء مستقبل مشترك

بهذه الزيارة، لم يقتصر الحضور الفرنسي على المشهد الدبلوماسي فحسب، بل امتد ليُسهم في رسم ملامح المستقبل بين بلدين تجمعهما مصالح استراتيجية وقيم حضارية مشتركة. لقد حملت الزيارة رسائل سياسية واقتصادية وثقافية وإنسانية، وكرّست مصر شريكًا رئيسيًا لفرنسا في منطقة الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى