ملوك إفريقيا.. عروش خالدة

بقلم : سحر الزارعي
في زيارتي الأخيرة إلى اللوفر أبوظبي، وبينما كنت أتأمل المشهد الليلي، شدني ذلك السكون العميق الذي يلف المكان. انعكاس الضوء على الماء، صمت العمارة وهي تحاور الزمن، الإحساس بأن كل شيء هنا خُلق ليُرى بطريقة مختلفة. في تلك اللحظة، تذكرت أنني لم أكتب بعد عن معرض ملوك إفريقيا وملكاتها، رغم أن تفاصيله لا تزال تملأ ذاكرتي. ليس تأجيلًا، بل إدراكًا أن هذا المعرض لا يُكتب عنه كغيره، فهو لا يستعرض التاريخ بقدر ما يجعلك ترى كيف يصبح الفن نفسه سلطة، وكيف تتحول العروش إلى رموز خالدة.
في إفريقيا، لم يكن الملوك مجرد حكّام، بل كانوا كائنات أسطورية تُجسد سلطتهم في البرونز، في الأقنعة الطقسية، في الأقمشة المطرزة التي لم تكن مجرد زينة، بل لغة تُكتب فيها الهيبة. في مملكة بنين، لم يكن الشعب يرى الملك، لكنه كان يراه في التماثيل التي تروي مجده، حيث يصبح الفن أداة للحضور لا مجرد انعكاس له. في إمبراطورية مالي، لم يكن الذهب زينة للحاكم، بل كان وسيلة لترسيخ هيبته، لغة صامتة للقوة. أما في الكونغو، فكانت الأقنعة الطقسية تربط الحاكم بما هو أبعد من الواقع، حيث لا تنحصر سلطته في الأرض، بل تمتد إلى العوالم الروحية.
التاريخ يُعاد تشكيله، تُكتب الروايات بأقلام المنتصرين، لكن الفن لا يقبل المساومة. وحين نقف اليوم أمام هذه القطع، لا نرى ماضيًا بعيدًا، بل نرى ملوكًا أدركوا أن الحكم لا يدوم، لكن الصورة تبقى، وأن السلطة التي لا يخلّدها الفن، هي سلطة محكوم عليها بالزوال.