المستعمرات الرقمية
بقلم د . جمال الشاعر
كلهم حذرونا من الاستعمار الجديد .. استعمار العقول .. و لكن لا حياة لمن تنادي .. مازلنا في غيبوبة مستحكمة .. هربرت شيللر في كتابه “المتلاعبون بالعقول” قال لنا انتبهوا جيدا من التضليل الإعلامي والوعي المعلب باستخدام السينما والفنون تارة و باستخدام وسائل الإعلام الماكرة التي تريد اختطاف أدمغتنا تارة أخرى .. و نعوم تشومسكي شرح لنا الأمر بالتفصيل عندما تحدث عن
الاستراتيجيات العشرة للإلهاء .. و منها الإغراق المعلوماتي والتشتيت ثم اللعب على العواطف ومخاطبة الشعوب كأنهم أطفال صغار .. والتسويف وتحويل احساس الناس بالظلم إلى احساسهم بالذنب وإرباكهم حد الشتات .. نفس الكلام وضحه جوستاف لوبون عندما تحدث عن سيكلوجية الجماهير وأن الشعوب تتعرض لوابل من المعتقدات والأفكار الخبيثة من أجل السيطرة عليها ممن يديرون العالم .. وكذلك آلان ديون عندما كشف لنا عن عملية صناعة التفاهة التي تديرها دوائر المال والسياسة العالمية للسيطرة على عقول البشرية .. ماذا حدث بعد ذلك ؟ .. لاشيء .. قاومنا أحيانا ثم انزلقنا في النهاية وتمت عمليات غسيل الأمخاخ بنجاح فادح .. ساعدهم على تحقيق هدفهم .. التطور التقتني والتكنولوجي المذهل في زمن الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي .. أصبحنا بكل أسف “مستعمرات رقمية” عقولنا يديرها العم جوجل والمنصات الرقمية والروبوتات .. المشكلة هنا هي أننا قابلون للاحتلال الرقمي بل عندنا قابلية للاستعمار كما يقول مالك بن نبي .. إيلون ماسك والآلة الجهنمية معه من الأقمار الصناعية و مصانع الروبوتات والرقائق الإلكترونية أصبح قادرا على تحريك العالم كالماريونت ومسرح العرائس .. ثمة سائل يقول .. وماذا بوسعنا أن نفعل ؟ الفجوة بيننا وبينهم أصبحت سنوات ضوئية .. في ظني أن هذه ليست هي المشكلة الوحيدة .. المشكلة الأخطر أننا لا نحاول إطلاقا .. مستسلمون تماما ..
و يالها من فضيحة .. عندما نعلم أن مساهمة العالم العربي كله في صناعة المحتوي الرقمي العالمي يقل عن واحد في المائة .. مع أن حوالي أربعمائة مليون مواطن عربي عندهم هواتف نقالة و يعيشون ليلهم ونهارهم في الفقاعات الرقمية .. مهزلة كبرى .. والأخطر أن الشعوب العربية بكل ما تمتلكه من ثروات ومقدرات .. لم تشرع حتى الآن في بناء قاعدة صناعية تكنولوجية تمكنها من حماية رأسها من الهجوم الإلكتروني الذي وصل إلى حد تفجير أجهزة ” البيجر” واغتيال قيادات المقاومة بالآلاف المؤلفة في دقائق معدودات .. الإمام محمد عبده قالها زمان .. إما أن نتقدم و إما أن نستعبد .. لابد من صحوة علمية رقمية .. ولابد من تحويل حلم وادي السيليكون المصري في الإسماعيلية إلى حقيقة واقعة .. لا يعقل أن تصدر مصر الرمال البيضاء بسعر أربعين دولارا للطن وبعد التصنيع تصبح قيمته 100 ألف دولار، وهذا الفارق الكبير يمكن أن تستفيد منه الدولة اقتصاديا و من ثم أمنيا وصناعيا ..
.. الرمال البيضاء المصرية، بنسبة نقاء وتركيز تصل إلى 99.79%
.. سألت تطبيق ” جيمناي ” عن مخاطر الذكاء الاصطناعي فأجملها في الآتي .. استلاب العقول والتحكم في تصرفات البشر .. التمييز والتحيزات الخفية ضد ثقافات معينة .. تهديد الاستقلالية والحرية الشخصية .. الروبوتات واستخدامها الأسلحة الفتاكة يهدد بفناء العالم
.. نحن مهددون بالانقراض .. والقضية الان هى قضية وجود .. إما أن نكون أولا نكون .. ترقمنوا تتقدموا
.. وتعصموا .. أنفسكم من مصير العيش تحت الاحتلال الإلكتروني في المستعمرات الرقمية المستعمرات الرقمية
