تركيا ترسل سفينة تنقيب إلى الصومال مع تعزيز نفوذها في أفريقيا

أنقرة بصدد البحث عن النفط قبالة سواحل الصومال في ظل حاجتها الماسة للطاقة
تركيا تبيع طائرات مسيرة تنتتجها شركة “بايكار” إلى ما لا يقل عن 11 دولة أفريقية
الصادرات التركية لأفريقيا بلغت 28.6 مليار دولار في 2023 من 30.6 مليار في 2022
تغلغل تركيا في أفريقيا لا يخلو من مخاطر نظراً للخلاف بين شريكتيها إثيوبيا والصومال

تركيا، التي تسعى إلى توسيع نفوذها في أفريقيا وتعزيز أمنها في مجال الطاقة، سترسل سفينة التنقيب “عروج ريس” البالغ طولها 86 متراً لاستكشاف مكامن نفط بحرية تابعة للصومال الشهر المقبل.

هذه الخطوة، التي أكدها محمد حاشي مدير وزارة النفط في الصومال، قد تساهم في تنويع إمدادات النفط الخام لتركيا، وتأتي ضمن سعي أنقرة الدؤوب لتعزيز العلاقات في منطقة تتنافس فيها كل من الصين وروسيا والخليج والغرب على النفوذ.

انجذاباً لثروة القارة المعدنية وتزايد عدد سكانها الذين يمكن أن يقودوا موجة جديدة من النمو الاقتصادي، يكتسب هذا التركيز أهمية كبيرة للدولة، وهي تستعرض نفوذها الدولي.

“أفريقيا تهم تركيا لأنها مكان يمكنها أن تجرب فيه جميع أدوات وأهداف سياستها الخارجية النشطة الجديدة”، حسبما اعتبر باتو كوشكون، وهو زميل باحث مقيم في أنقرة في “معهد صادق للدراسات” الليبي.

أضاف: “إنها القوة الناعمة من ناحية، مثل المساعدات والتعليم ومراكز اللغة التركية. والعلاقات التجارية والاقتصادية من ناحية أخرى”.

لا يوجد مكان يتجلى فيه هذا بشكل أفضل من الصومال حيث تشغل تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج، وتدير الشركات التركية ميناء العاصمة ومطارها.

زودت شركة “بايكار” (Baykar) التركية للطائرات المسيرة التي يديرها صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، سلجوق بيرقدار، الصومال بعدد غير معروف من طراز “تي بي 2” (TB2)، ما أدى إلى توسيع هجوم الصومال على جماعة الشباب الإسلاموية.

استقال سفير الصومال لدى تركيا للترشح لمنصب نائب رئيس ولاية بلاد بنط، المنطقة الغنية بالنفط وشبه المستقلة في الجزء الشرقي من البلاد والتي تجري انتخابات الاثنين

لعبة القوة
في وقت سابق من هذا العام، وافق البرلمان التركي على اقتراح من أردوغان لإرسال دعم بحري إلى المياه الصومالية وسط زيادة القرصنة الناجمة عن انعدام الأمن في البحر الأحمر المرتبط بهجمات المسلحين الحوثيين المتحالفين مع إيران.

قال المحلل في مجموعة الأزمات الدولية عمر محمود : “بالنسبة لتركيا، يوفر الصومال موقعاً جغرافياً استراتيجياً لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي. يمثل الارتباط مع الصومال حالة اختبار ونقطة انطلاق لاستراتيجية تركيا الشاملة لتعميق العلاقات الدبلوماسية والتجارية والأمنية عبر القارة الأفريقية”.

منذ أن أودت المجاعة بعدد كبير من سكان الصومال في 2011، ألقت تركيا بثقلها وراء الدولة الفقيرة، التي كانت مرادفاً للصراع والمعاناة منذ اندلاع حرب أهلية استمرت عقوداً في 1991.

اليوم، يمكن للشبان الصوماليين الالتحاق بمدرسة تركية مدعومة من الدولة تديرها “معارف فاونديشن” (Maarif Foundation ) في هرغيسا ومقديشو. وتفيد وزارة الخارجية التركية بأن المساعدات التي قدمتها الدولة للصومال في العقد الماضي تجاوزت مليار دولار، فيما تنتشر السلع الاستهلاكية التركية من الأدوية إلى الملابس في جميع أنحاء العاصمة.

قال محمد عثمان، وهو طالب يبلغ من العمر 18 عاماً في مدرسة “معارف فاونديشن” في مقديشو: “ارتباطنا بتركيا يضرب بجذوره في الثقافة الإسلامية المشتركة التي تعود لقرون. سبب دعمهم تحولاً كبيراً في البلاد”. وجدت المدرسة، التي كانت ذات يوم مأوى متهالكاً للنازحين داخلياً، طريقها للتجديد وتحولت إلى فصول دراسية حديثة مجهزة بالحواسيب الآلية.

يتحدث عبد القادر محمد نور، وزير الدفاع الصومالي، اللغة التركية بطلاقة وتخرج من جامعة في أنقرة.

منذ 1992، حصل أكثر من 1000 طالب صومالي على منح دراسية في الجامعات التركية وكانت قيود التأشيرة المفروضة على الصوماليين الذين يزورون تركيا ضئيلةً مقارنة بالدول الأفريقية الأخرى.

تخطط الغرفة التجارية الصناعية في مدينة بورصا التركية لإنشاء منطقة صناعية في مصر متخصصة في صناعة المنسوجات والسيارات والألمنيوم والآلات والمعدات التكنولوجية.

استراتيجية أوسع
يأتي تغلغل تركيا في الصومال ضمن سياسة أوسع في أفريقيا. بلغت الصادرات إلى القارة 28.6 مليار دولار في 2023، انخفاضاً من 30.6 مليار في 2022، وفق بيانات “بلومبرغ”، استحوذت مصر والمغرب وجنوب إفريقيا ونيجيريا على النصيب الأكبر منها.

تجمع تعاملات أنقرة مع الدول الأفريقية بين التعاون في مجالات المخابرات والدفاع والصفقات في قطاعي التعدين والطاقة على نحو متزايد.

في وقت سابق من هذا العام، زار وفد بقيادة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عاصمة النيجر نيامي، ووقع على مجموعة من الصفقات بعد أن طردت الحكومة العسكرية في البلاد القوات الفرنسية وطلبت من الولايات المتحدة إغلاق قاعدتها العسكرية.

النيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتبحث شركة التعدين التركية “إم تي إيه” (MTA) بالفعل عن الذهب في النيجر، وأجرت أيضاً محادثات مع الجزائر وساحل العاج وزيمبابوي في الأشهر الثلاثة الماضية.

وقعت تركيا اتفاقيات مماثلة مع الجزائر، حيث قالت شركة الطاقة الحكومية، “تيركيش بتروليوم” (Turkish Petroleum)، إنها ستنقب عن النفط والغاز. وتبذل شركة “أفرو ترك” (Afro Turk) جهوداً حثيثةً لدخول سوق الذهب في بوركينا فاسو، والآن تسير “تيركيش إيرلاينز” ( Turkish Airlines) إلى بعض أكثر المناطق النائية في القارة.

وفد تركي رفيع المستوى في النيجر والهدف إمدادات اليورانيوم
زار وزراء الخارجية والدفاع والطاقة الأتراك النيجر يوم الأربعاء لضمان الوصول إلى احتياطات اليورانيوم الثمينة في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

تُباع طائرات “تي بي 2” المسيرة التي تنتجها “بايكار” إلى 11 دولةً أفريقيةً على الأقل، بحسب بيانات “باكس” (PAX)، وهي منظمة هولندية تسعى إلى تعزيز المجتمعات السلمية.

تشمل محاولات نشر النفوذ الأخرى شركة “سادات” (SADAT)، وهي شركة عسكرية تركية خاصة، أرسلت أفراداً سوريين إلى منطقة الساحل لدعم المجلس العسكري في النيجر، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

أشار رئيسها التنفيذي مليح تانريفردي لـ”بلومبرغ” في رد مكتوب على أسئلة إلى أن شركته حريصة على القيام بأعمال في أفريقيا، لكنه نفى وجودها في النيجر.

بات مثل هذا التغلغل أسهل بفضل أسلوب قيادة أردوغان المركزي، بحسب كوشكون، المحلل الذي أشار إلى عدم وجود قيود تصدير على المنتجات العسكرية التركية.

وقال: “إذا وافق أردوغان على الصفقة، فسوف تمر ببساطة. الأمر ليس مثل الكونغرس الأميركي الذي يدقق في كل عملية بيع”.

عمل محفوف بالمخاطر؟
لا يخلو سعي تركيا لاكتساب النفوذ في أفريقيا – وخاصةً في الصومال – من المخاطر. الصومال حالياً على خلاف مع إثيوبيا – شريك قوي آخر لتركيا – بشأن قرار أديس أبابا الاعتراف بسيادة دولة أرض الصومال الانفصالية، في مقابل قاعدة بحرية والوصول إلى ميناء في مدينة بربرة الساحلية.

تتوسط أنقرة حالياً في محادثات بين إثيوبيا والصومال بشأن كيفية حل النزاع، وهو هدف رئيسي في سياسة أنقرة الخارجية إذا كانت تريد أن تبدأ في استغلال احتياطيات النفط في المنطقة. وقد أثار ذلك انتقادات لاذعةً من أرض الصومال يوم الثلاثاء، والتي اتهمتها بالتدخل.

لماذا يفاقم وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر من مخاطر المنطقة؟
باتت إثيوبيا دولة غير ساحلية منذ عام 1993 عندما حصلت إريتريا على استقلالها بعد حرب استمرت ثلاثة عقود، مما جعلها تعتمد على موانئ جيرانها

“بالنسبة لتركيا، فإن السيناريو الأفضل هو التوصل إلى اتفاق، مع ظهور أنقرة وسيطاً وتعزيز دورها على الجبهة السياسية في شرق أفريقيا. ولا تريد تركيا صدامات عندما تبدأ في استكشاف المحروقات”، بحسب كوشكون.

لكن الجانب الإيجابي إذا توسطت في التوصل إلى اتفاق بين البلدين، واستغلت النفط الذي يقع تحت قاع البحر قبالة الصومال، قد يكون هائلاً.

تسعى تركيا منذ فترة طويلة إلى تقليل اعتمادها على واردات الطاقة من روسيا وإيران، ونجحت في زيادة الواردات من الولايات المتحدة والجزائر ومصر وأذربيجان.

“استكشاف النفط في الحقول البحرية الصومالية وأماكن أخرى من شأنه أن يساهم في استراتيجية أنقرة لتنويع الاقتصاد، وتنمية أعمال الطاقة التركية، وتوسيع الوجود الإقليمي للشركات التركية”، حسبما رأى الأستاذ المساعد في جامعة قطر والدبلوماسي القطري السابق في تركيا علي بكير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى