دور منتدى التعاون الصينى العربى فى حل قضايا الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

 

يعمل منتدى التعاون الصيني العربي على تعزيز المواقف المشتركة لكل من الصين والعالم العربي بشأن الحل السياسي للقضايا الإقليمية الساخنة، والحوار بين الحضارات، والحوكمة العالمية، ومكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، والذكاء الإصطناعي، وتغير المناخ، وغيرها.

وسنجد على الموقع الرسمي لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين، أن الصين تسعى إلى إبراز وجهة نظرها تجاه حل القضية الفلسطينية، من خلال (تكريس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي والعمل معًا لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية)، وهو ما أكده وأشار إليه صراحة رئيس جمهورية الصين الشعبية “شي جين بينغ” في مؤتمر إحياء الذكرى السبعين لإصدار المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، في ٢٨ يونيو ٢٠٢٤. وهنا طرحت القيادة الصينية لأول مرة على الرئيس “شي جين بينغ” المبادئ الخمسة بكل أبعادها، والتي تشمل: (الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. إن منتدى التعاون الصيني العربي يؤكد على أهمية مبدأ “الشئون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي”، كضمانة قوية لحل القضية الفلسطينية وجميع الصراعات السياسية في جميع أنحاء العالم.

ومن خلال منتدى التعاون الصيني العربي، تأتي أهمية مفهوم الرئيس شي جين بينج الصيني “بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية” والمبادئ الخمسة للتعايش السلمي، حيث أنهما من نفس الأصل، حيث أن كلاهما متجذر في الثقافة التقليدية الصينية المميزة التي تدعو إلى حسن الجوار، والوفاء بالوعود، والوئام بين الدول. وكلاهما يجسد ميزة الدبلوماسية الصينية، التي تتميز بالثقة بالنفس، والاستقلال، والإلتزام بالعدالة، ومساعدة الضعيف، ودعم الحقيقة. وكلاهما يعكس الطموح العالمي للشيوعيين الصينيين وحزبهم الشيوعي الحاكم، فيما يتعلق بتقديم مساهمات جديدة وأكبر للإنسانية، وكلاهما يظهر عزم الصين الراسخ على اتباع مسار التنمية السلمية. إن مفهوم بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية هو أفضل إرث وتكريس وتعزيز للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي في ظل الظروف الجديدة في العصر الجديد تحت رعاية الصين.

يمكننا أن نفهم ذلك جيدًا من خلال سعي بكين إلى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية في السنوات الأخيرة ورعايتها في عام ٢٠٢٣ لـ (إتفاق التقارب بين طهران والرياض). في أبريل ٢٠٢٤، استضافت بكين أيضًا وفودًا من الحركات الفلسطينية (حماس وفتح) لإجراء “محادثات معمقة وصريحة حول دعم المصالحة بين الفلسطينيين”، بالإضافة إلى استضافة قادة وممثلين من جميع الفصائل الفلسطينية المتحاربة في العاصمة الصينية بكين في يوليو ٢٠٢٤ لإحداث المصالحة بينهم برعاية صينية وتوحيد صفوفهم.

ما لفت إنتباهى أكثر خلال اجتماع منتدى التعاون الصيني العربي في مايو ٢٠٢٤ هو حديث الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في كلمته الإفتتاحية للمنتدى، ودعوة الرئيس “شى” إلى عقد مؤتمر سلام لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأعرب عن دعمه لمؤتمر سلام “واسع النطاق” لحل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وأكد أن “الشرق الأوسط أرض ذات آفاق واسعة للتنمية؛ لكن الحرب مستعرة، والحرب لا يجب أن تستمر إلى ما لا نهاية، والعدالة يجب ألا تغيب إلى الأبد”. وعلى الصعيد الاقتصادي، أشاد الرئيس الصيني “شي جين بينغ” بـ “الشعور العميق بالتقارب” مع العالم العربي، وأن الصداقة بين الصين والشعب الصيني والدول والشعوب العربية تنبع من التبادلات الودية على طول طريق الحرير القديم، وذلك خلال كلمة “شي جين بينغ” في كلمته الافتتاحية في منتدى التعاون الصيني العربي في مايو ٢٠٢٤، وتأكيد الرئيس “شي” على أن: “الصين ستواصل تعزيز التعاون الاستراتيجي مع الجانب العربي في مجالات النفط والغاز، ودمج أمن الإمدادات مع أمن السوق”، بحسب “شي”، من خلال نص كلمته الذي نشرته وزارة الخارجية الصينية، مع تأكيد الرئيس “شر” أن: “الصين مستعدة للعمل مع الجانب العربي في البحث والتطوير لتكنولوجيا الطاقة الحديثة وإنتاج المعدات”.

وتأتى أهمية منتدى التعاون الصيني العربي في خدمة القضايا العربية والشرق أوسطية، بالإضافة إلى الدور المحوري للصين من خلاله لوقف إراقة الدماء في قطاع غزة ودعوة كافة الفصائل الفلسطينية المتحاربة في العاصمة الصينية بكين إلى توحيد صفوفها ونبذ خلافاتها تحت رعاية الصين. كما لعبت الصين دوراً كبيراً من خلال (منتدى التعاون الصيني العربي) في الدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والعمل على التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين ووقف الحرب ومعارضة التهجير القسري للشعب الفلسطيني. وقد اعتمد المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي “إعلان بكين” وخطة تنفيذ المنتدى ٢٠٢٤-٢٠٢٦ وبياناً مشتركاً بين الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية. كما وقعت الصين خلال دورات منتدى التعاون الصيني العربي عدداً من وثائق التعاون الثنائية والمتعددة الأطراف مع الدول المشاركة والأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وفي ظل الإجماع الصيني العربي الشامل على القلق العميق إزاء استمرار الصراع في غزة، والذي أدى إلى أزمة إنسانية، أكد على الموقف الثابت والإجماع المهم بين الجانبين الصيني والعربي في الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية، ومعارضة التهجير القسري للشعب الفلسطيني، ودعم العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة، والعمل بثبات من أجل التوصل إلى تسوية مبكرة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.

وتسعى الصين إلى دعم كافة الدول العربية، وخاصة فلسطين، من خلال تشجيعها على إقامة المزيد من المنتديات والكيانات لدعم دول الجنوب العالمي، وتأتي الدول العربية في منتدى التعاون الصيني العربي في مقدمة دول الجنوب العالمي. ومن أجل دعم تعاون دول الجنوب العالمي بشكل أفضل، يسعى الجانب الصيني حالياً إلى دعم (مركز دراسات دول الجنوب العالمي)، الذي سيوفر ١٠٠٠ منحة دراسية في إطار “منحة التميز للمبادئ الخمسة للتعايش السلمي”، و ١٠٠ ألف فرصة دراسية وتدريبية لدول الجنوب العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة، مع إطلاق برنامج الرواد الشباب من دول الجنوب العالمي. مع تعهد الجانب الصينى بمواصلة تفعيل دور (صندوق الصين والأمم المتحدة للسلام والتنمية، وصندوق التنمية العالمي، والتعاون جنوب-جنوب، وصندوق التعاون جنوب-جنوب بشأن تغير المناخ، والتعاون مع الأطراف ذات الصلة لإنشاء “مركز نموذجي للتعاون الثلاثي” لتنفيذ مبادرة التنمية العالمية)، وذلك لدعم التنمية الاقتصادية لدول “الجنوب العالمي”. وسيعمل الجانب الصيني على تمديد صندوق التعاون جنوب-جنوب، بما يخدم مصالح الدول العربية والجميع، وفقاً لشعار الرئيس الصيني “شي جين بينغ” حول “المستقبل المشترك للبشرية”.

ومن خلال التحليل السابق نفهم دور الصين في حفظ ورعاية السلام والقضية الفلسطينية، وجمع الفصائل الفلسطينية المتصارعة ونبذ خلافاتها، ودعوة الصين لعقد مؤتمر سلام دولي لحل القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى دور الصين المحوري في الأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية للدعوة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، من خلال (المبادئ الخمسة الصينية للتعايش السلمي)، وهي نفس المبادئ التي تم وضعها في الدستور الصيني منذ زمن بعيد، والتي وضعت حجر الأساس للسياسة الخارجية الصينية السلمية المستقلة. وعليه، تسعى الصين حالياً إلى دفع القضية الفلسطينية بقوة من خلال تبني مؤتمرات ومبادرات السلام الصينية، ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، واستضافة العاصمة الصينية “بكين” لمؤتمر لجميع الفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى لعب الصين دوراً رئيسياً من خلال “منتدى التعاون الصيني العربي” في حل جميع الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وتحقيق التقارب بين السعودية وطهران، وحل الخلافات بين جميع الفصائل والحركات الفلسطينية برعاية صينية على وجه الخصوص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى