دور مجموعات الدعم للأمن القومى الصينى فى ربط كافة وكالات أجهزة الإستخبارات

 

تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية- أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف

ربما ما دفعنى للبحث المستفيض ودراسة دور “المجموعات القيادية الصغيرة أو المركزية” ودور (مجموعات الدعم المحلية) داخل الصين، للمساعدة فى صنع القرار السياسى أو وضع خطط طويلة لصانع القرار الصينى ذاته، هو إطلاق منصات أجنبية شبيهة لها، وكنت ومازلت – كخبيرة مصرية معروفة دولياً فى الشأن السياسى الصينى – على إتصال دائم ومتابعة دائمة لكافة أنشطتها اليومية مع كافة تلك المنصات والمجموعات الشبيهة الخاصة بدراسة الصين. بل وحرصى الدائم من باب تخصصى الأكاديمى الدقيق فى الشأن السياسى الصينى وسياسات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين على إرسال إيميلات إستسفسارية للقائمين عليها لفهم نظرتهم للصين، خاصةً وأن أعضائها من كافة دول العالم، للوقوف على طريقة فهمهم وإستيعابهم للصين من وجهة نظر مغايرة. وهو ما يمكن فهمه كمثال تطبيقى ملموس من خلال “مجموعة الصين الصغيرة”

Young China Group
حيث تعمل تلك المجموعة التى تضم أجانب فقط لفهم الصين من وجهة نظر مغايرة، وتضع “مجموعة الصين الصغيرة” نصب أعينها ضم وإستيعاب أكبر عدد من الشباب الصغير داخل الصين من جميع الثقافات والجنسيات. حيث يوجد في الصين عدد من الشباب أكبر من عدد الشباب فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والشرق الأوسط مجتمعين، يشكلون بمفردهم أكثر من مجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية وكندا مجتمعين. وهنا تسعى “مجموعة الصين الصغيرة” لمحاولة التواصل مع ممثلين لكافة دولهم، لفهم الإستهلاك أو الإبداع أو إتجاه بلادهم مع الصين. وترفع “مجموعة الصين الصغيرة” شعار: (عليك أن تفهم الصين الشابة: من هم وماذا يريدون وكيف يرون العالم)؟

توفر مجموعة “الصين الشابة” بقيادة عدد من الشباب الأمريكى القيادى جسراً للتفاهم بين الصين وبقية العالم. حيث يشير مصطلح “الصين الشابة” إلى ٧٠٠ مليون شخص تحت سن الأربعين في الصين، بالإضافة إلى الهوية المتطورة للبلاد على الساحة العالمية. ومن أجل ذلك، تم تشكيل مجموعة الصين الشابة لفهم كليهما، وتحويل المعرفة إلى ممارسة. وهنا تعمل مجموعة “الصين الشابة” من قبل خبراء شباب أجانب، وبالأخص من الولايات المتحدة الأمريكية، مع العلامات التجارية والشركات والمستثمرين والحكومات لفهم الصين من البداية. مع سعى تلك المجموعة القيادية للأجانب لدراسة جاهدة، لجلب التعاطف والبحث والتفكير على أرض الواقع لأسئلتك حول الصين. من خلال البحث النوعى والكمى بإستمرار، وتقدم منظوراً يضع الناس في المقام الأول للأسئلة التي تدفع ديناميكية عالمية متطورة.

وعلى الرغم من أن “مجموعة الصين الصغيرة” الخاصة بالشباب الأجانب ومهمتها فى إكتشاف الصين بالأساس. فلقد سبقتها الصين بإنشاء “المجموعة الصغيرة الرائدة للأمن القومى” فى أعقاب قصف الولايات المتحدة للسفارة الصينية فى العاصمة الصربية “بلغراد” فى ٧ مايو عام ١٩٩٩. وتقوم مهمة (المجموعة الصغيرة الرائدة للأمن القومى داخل الصين) فى التحكم بشكل أساسى في عمل الوكالات الإستخباراتية، وبربطها ببعضها البعض، إضافة إلى قيامها بدور أجهزة الإستخبارات والمجموعات الفكرية الأكاديمية وغير الأكاديمية المتنوعة داخل الصين. كذلك تقوم (مجموعات الدعم المحلية) بدور ريادى كبير لمساعدة صناع القرار الصينى فى كافة الأقاليم والمقاطعات الصينية، فضلاً عن وجود ممثلين لهم فى مناطق تركز الأقليات الصينية المختلفة، لفهم والوقوف على كافة مطالبهم وأوضاعهم.

وتعرف (مجموعات الدعم المحلية) كذلك أحياناً، بإسم “المجموعة القيادية المركزية” أو “المجموعة القيادية الصغيرة”، وهى تعمل بالأساس كهيئة تابعة للحزب الشيوعي الصينى، مكلفة بإتخاذ القرارات بشأن مجالات القضايا الوظيفية الرئيسية. كما تعمل مجموعات القيادة الصغيرة بشكل فعال كلجان تنفيذية بين الوكالات الإستخباراتية المختلفة داخل الصين، بل والأعجب، أنها تتجاوز عمل الحكومة والحزب الشيوعى الحاكم نفسه والأنظمة العسكرية. وتغطى مجموعات القيادة الصغيرة الرئيسية قضايا، مثل: الأمن القومي والشؤون الخارجية وشؤون تايوان وهونج كونج وماكاو والدعاية والأيديولوجية والمسائل المالية والإقتصادية داخل الصين وخارجها. وترأس الأمين العام للحزب الشيوعى الصينى “شي جين بينغ” شخصياً أكثر من ٧٠ إجتماعاً للمجموعة القيادية المركزية لتعميق الإصلاح الشامل داخل الصين.

تجمع مجموعات القيادة المحلية الصغيرة أو الصغيرة المركزة لكبار المسؤولين في الحزب والحكومة والجيش الصينى، لمناقشة القضايا وتبادل الأفكار وتقديم توصيات السياسة إلى المكتب السياسي ولجنته الدائمة. قد يشارك أيضاً المتخصصون الأكاديميون والصحفيون المؤثرون في مجموعات القيادة المحلية. لا تعمل جميع مجموعات القيادة المحلية على المستوى الوزارى، قد تعمل بعضها مع مسئولين من المستوى الأدنى. وفى السنوات الأخيرة، قدمت مجموعات القيادة المحلية وسيلة مهمة للقادة الأفراد لتوجيه السياسة. إنها تمكن القيادة العليا من ممارسة السيطرة المباشرة على إدارة مجالات السياسة الرئيسية.

كما قامت بكين في نهاية عام ٢٠٠٠، بتأسيس (مجموعة قيادية جديدة للأمن القومى). وعملت الصين أيضاً على تنويع مصادر التحليلات السياسية التى تصل إليها من داخل الحكومة أو من خارجها. حيث نجد الدور المحورى والشديد الأهمية، لما يعرف بـ (القسم الجديد للتخطيط المتطور لسياسة وزارة الخارجية الصينية)، والذى يلعب الآن دوراً بارزاً كأحد مصادر الفكر السياسي الداخلية فى الصين.

شهد عصر الرئيس الصينى “شي جين بينغ” إنشاء عدد من مجموعات القيادة المحلية الجديدة الصغيرة، لدفع العناصر الرئيسية لأجندته والتغلب على العقبات داخل البيروقراطية الصينية. في عهد شي، تم إنشاء ثماني مجموعات قيادة محلية جديدة للحزب و ٢١ مجموعة قيادة محلية جديدة لمجلس الدولة بعد فترة وجيزة من توليه السلطة في عام ٢٠١٢. وعكست رئاسة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” الشخصية لتسع مجموعات قيادة محلية – وهو عدد غير مسبوق – سعيه إلى مركزية السلطة في يديه. لقد وفر هذا وسيلة لشي للالتفاف على القيادة الجماعية للصين من خلال الهيمنة على مجموعات الدعم المحلية.

وفي الوقت نفسه فقد بدأت فئة من الصينيين تضم مسئولى الإعلام والمتحدثين الرسميين للحزب الشيوعى الصينى والصحف اليومية الشعبية، بإجراء مباحثات شبيهة بدور المجموعات القيادية المركزية ومجموعة القيادة المحلية الصغيرة داخل الصين، بإستخدام (أسلوب المائدة المستديرة) بالإستعانة بالإدارة الصريحة للمحللين الجدد، حتى إن بعض الصحف وخاصة “صحيفة الهوانكي شيباو” (أوقات عالمية) والـ “نانفانج زومو” (نهاية الأسبوع الجنوبى) قد نشرت بعض الآراء من قبل نخب رفيعة من محللين المائدة المستديرة لمناقشة ودراسة أحوال الصين، للمطالبة بإيجاد بدائل لسياسات وخطط بديلة والتوصية برفعها لصانع القرار فى الصين.

وفى المقابل، ومن خلال فهمى ومتابعتى لأبرز الإصدارات الصينية ومراكزها الفكرية والبحثية، فلقد وجدت بأنه نادراً ما يتم الكشف عن تفاصيل العضوية الحالية وحتى عدد مجموعات الدعم المحلية الموجودة أو تلك المجموعات القيادية المركزية الصغيرة داخل الصين، فعلى الرغم من إصدار بعض المعلومات التاريخية حول ما يعرف بـ “مجموعات الدعم المحلية” في العقود السابقة داخل الصين، وهى نفسها الشبيهة بالمجموعة القيادية الصغيرة المركزية لمناقشة الأوضاع والسياسات الصينية، إلا أنه لا يتم تضمينها رسمياً فى مخططات التنظيم المتاحة للجمهور أو أوصاف المؤسسات الحكومية، نظراً لحساسيتها كأدوات للقيادة وصنع القرار السياسى والإقتصادى داخل وخارج الصين. كما أن تلك الطبيعة المرنة لمجموعات الدعم المحلية والمجموعات القيادية المركزية الصغيرة داخل الصين، تؤكد بأن عضويتها وبنيتها يمكن أن تخضع لتغييرات وتحركات كبيرة داخل هيكل السلطة الصينى.

وهنا علينا أن نفهم، بأن مجموعات الدعم المحلية وكافة المجموعات القيادية الصغيرة لمناقشة أوضاع الصين، ليس لديها موظفون دائمون وتعتمد بدلاً من ذلك على مكاتبها العامة لإدارة العمليات اليومية وللبحث والتوصيات السياسية. وبالتالى، غالباً ما تعتمد فعالية مجموعة الدعم المحلية على فعالية مكتبها العام.

وكخبيرة فى الشأن السياسى الصينى، فعند تحليلى لآلية عمل ودراسة وفهم تلك (المجموعات الصغيرة القيادية داخل الصين)، فوجدت أنها واحدة من أقل أجزاء النظام السياسى الصينى مؤسسية، وبالتالى الأكثر مرونة. كما تشير عدد من المصادر الصينية التابعة للحزب الشيوعى الحاكم ذاته، إلى أن تلك المجموعات الصغيرة القيادية تأسست لأول مرة فى عام ١٩٥٨، بموجب تفويض، مصرح به بموجب (الفصل التاسع من دستور الحزب الشيوعى الصينى).

كما تمت إعادة تعريف دور تلك المجموعات القيادية الصغيرة ومجموعات الدعم المحلية، وتنظيم دورها داخل الصين وفى الخارج فى ديسمبر ١٩٨٧، بموجب مجموعة من الإصلاحات التي وافقت عليها الدورة الكاملة الثانية لإجتماعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى. وتم تصنيف تلك المجموعات القيادية الصغيرة، على أنها هيئات إستشارية لصنع القرار للجنة المركزية للحزب وكانت عادةً مجموعات قصيرة المدى موجهة نحو المهام. وفى عام ١٩٩٧ تم تأكيدها كأجزاء رسمية من النظام السياسى لبكين. لقد أصبحت مهمة بشكل خاص خلال فترة الأمين العام للحزب الشيوعى الصينى “شى جين بينغ”. يعمل البعض على أساس دائم، بينما يوجد البعض الآخر مؤقتاً لمعالجة قضايا فورية.

وهنا، يتم تنسيق تنفيذ السياسات من خلال مجموعات الدعم المحلية والمجموعات القيادية المركزية، عبر هيئات صنع القرار الرئيسية، بما في ذلك المكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، والذي ترفع إليه مجموعات الدعم المحلية وتلك المجموعات القيادية الصغيرة تقاريرها، فضلاً عن إرسال نسخ من تقاريرها لكل من (مجلس الدولة الصينى واللجنة العسكرية المركزية ومجلس الدولة ووزارة الخارجية الصينية). ويرأس أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي لمجموعات الدعم المحلية والمجموعات القيادية الصغيرة بشكل دورى. ولكن يلاحظ أن نظام الحكومة المنظم عموديًا في الصين أحياناً يفتقر إلى التنسيق الأفقى بين أجزائه المختلفة، وهنا تلعب مجموعات الدعم المحلية دوراً مهماً في التغلب على هذا الإفتقار إلى التنسيق الأفقى. ومن الناحية الوظيفية، تمكن مجموعات الدعم المحلية الحزب من إستخدام سلطته الشاملة لتسهيل إتخاذ القرار والتعويض عن الطبيعة المجزأة أفقياً لنظام الحكومة في الصين.

وبشكل عام، فهناك نوعان من مجموعات الدعم المحلية. تدير مجموعات الدعم المحلية للحزب الشيوعى الصينى كافة العمليات السياسة للمكتب السياسي والأمانة العامة للحزب الشيوعى الصينى، وتنسق مجموعات الدعم المحلية لمجلس الدولة الصينى الشبيه بعمل مجلس الوزراء، تنفيذ السياسة للحكومة. وتميل مجموعات الحكومات المحلية الحزبية فى الصين، إلى التركيز على الشؤون السياسية والقانونية، إلى جانب قضايا الأمن القومي، بينما تركز مجموعات الحكومات المحلية التابعة لمجلس الدولة الصينى على الإقتصاد والمجتمع. وفى دراسة أكاديمية أجريت عام ٢٠١٧، أفادت بوجود ٨٣ مجموعة حكومية محلية، ٢٦ منها تابعة للحزب و ٥٧ تابعة لمجلس الدولة الصينى. وهذه زيادة كبيرة في عدد مجموعات الحكومات المحلية، مقارنةً بعام ٢٠١٥، حيث كان التقدير حوالي ٣٩ مجموعة حكومية محلية.

وبنظرة تحليلية لدور مجموعات الحكومات المحلية داخل الصين، فنرى أنها لا تصوغ سياسات ملموسة، بل تصدر (مبادئ توجيهية حول الإتجاه العام للسياسة) الذي يجب أن يتحرك فيه النشاط البيروقراطى للدولة. ولكن من المرجح أن يكون لتوصيات المجموعات القيادية تأثير كبير على عملية صنع السياسات، لأنها تمثل إجماع الأعضاء القياديين في الحكومة والحزب والوكالات العسكرية ذات الصلة. وفي بعض الحالات، تتبنى القيادة الصينية توصيات مجموعة العمل المالى لتلك المجموعات المحلية الصغيرة والمجموعات القيادية المركزية الصغيرة دون إجراء أى تعديلات عليها تذكر.

وأخيراً، نجد بأن مجموعات إدارة الموارد المحلية أو القيادات الصغيرة داخل الصين، لا تكتفى بصياغة السياسات داخل الحزب الشيوعي الصيني، بل إنها توجه العديد من المجموعات المتعددة الأخرى ذات الأهداف المختلفة في بعض الأحيان. وهناك ثلاثة إحتمالات مستقبلية لإستخدام الرئيس الصينى “شى جين بينغ” بإعتباره الأمين العام للحزب الشيوعى الصينى، لمجموعات إدارة الموارد المحلية، أو إعادتها إلى دورها الأصلي في تنسيق المعلومات، أو الإستفادة من مجموعات إدارة الموارد المحلية لتوجيه البيروقراطية الحزبية والحكومية إستراتيجياً، أو كما كان الرئيس “شى” يفعل، من جعل (مجموعات إدارة الموارد المحلية) تتولى موقفاً مركزياً أكثر ديمومة في عملية وضع السياسات. وإذا إستمرت مجموعات إدارة الموارد المحلية في كونها مركزية مع إشراف الرئيس “شى” بشكل مباشر عليها، فإن هذا يمنح الرفيق “شى” المزيد من القوة والوصول إلى كل قضية سياسية رئيسية في الصين، لأنه في مجموعات إدارة الموارد المحلية هذه، يتفوق على البيروقراطيين على الطاولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى